قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي أَبُو الصلت التيمي، قَالَ: حَدَّثَنِي أشياخ محارب أنه كَانَ مِنْهُمْ رجل يقال لَهُ خنثر بن عبيدة بن خَالِدٍ، وَكَانَ من أشجع الناس، فلما اقتتل الناس يوم صفين، جعل يرى أَصْحَابه منهزمين، فأخذ ينادي: يَا معشر قيس، أطاعة الشَّيْطَان آثر عندكم من طاعة الرحمن! الفرار فِيهِ معصية اللَّه سُبْحَانَهُ وسخطه، والصبر فِيهِ طاعة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ورضوانه، فتختارون سخط اللَّه تعالى عَلَى رضوانه، ومعصيته عَلَى طاعته! فإنما الراحة بعد الموت لمن مات محاسبا لنفسه وقال:
لا والت نفس امرى ولى الدبر ... أنا الَّذِي لا ينثني وَلا يفر
وَلا يرى مع المعازيل الغدر.
فقاتل حتى ارتث: ثم انه خرج مع الخمسمائة الَّذِينَ كَانُوا اعتزلوا مع فروة بن نوفل الأشجعي، فنزلوا بالدسكرة والبندنيجين، فقاتلت النخع يَوْمَئِذٍ قتالا شديدا، فأصيب مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ بكر بن هوذة وحيان بن هوذة وشعيب بن نعيم من بني بكر النخع، وربيعة بن مالك بن وهبيل، وأبي بن قيس أخو عَلْقَمَة بن قيس الفقيه، وقطعت رجل عَلْقَمَة يَوْمَئِذٍ، فكان يقول: مَا أحب أن رجلي أصح مَا كَانَتْ، وإنها لمما أرجو بِهِ حسن الثواب من ربي عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ: لقد كنت أحب أن أَرَى فِي نومي أخي أو بعض إخواني، فرأيت أخي فِي النوم فقلت: يَا أخي، ماذا قدمتم عَلَيْهِ؟
فَقَالَ لي: إنا التقينا نحن والقوم، فاحتججنا عِنْدَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فحججناهم، فما سررت منذ عقلت سروري بتلك الرؤيا