قَالَ: وبعث علي الأسود بن يَزِيدَ المرادي فِي ألفي فارس، حَتَّى أتى حمزة بن سنان وهو في ثلاثمائة فارس من خيلهم، ورفع علي راية أمان مع أبي أيوب، فناداهم أَبُو أيوب: من جَاءَ هَذِهِ الراية مِنْكُمْ ممن لم يقتل ولم يستعرض فهو آمن، ومن انصرف مِنْكُمْ إِلَى الْكُوفَةِ أو إِلَى المدائن وخرج من هَذِهِ الجماعة فهو آمن، إنه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا مِنْكُمْ فِي سفك دمائكم فَقَالَ فروة بن نوفل الأشجعي: وَاللَّهِ مَا أدري عَلَى أي شَيْء نقاتل عَلِيًّا! لا أَرَى إلا أن أنصرف حَتَّى تنفذ لي بصيرتي فِي قتاله أو اتباعه.
وانصرف في خمسمائة فارس، حتى نزل البندنيجين والد سكره، وخرجت طائفة أخرى متفرقين فنزلت الْكُوفَة، وخرج إِلَى علي مِنْهُمْ نحو من مائة، وكانوا أربعة آلاف، فكان الَّذِينَ بقوا مع عَبْد الله بن وهب منهم الفين وثمانمائه، وزحفوا إِلَى علي، وقدم علي الخيل دون الرجال، وصف الناس وراء الخيل صفين، وصف المرامية أمام الصف الأول، وَقَالَ لأَصْحَابه:
كفوا عَنْهُمْ حَتَّى يبدءوكم، فإنهم لو قَدْ شدوا عَلَيْكُمْ- وجلهم رجال- لم ينتهوا إليكم إلا لاغبين وَأَنْتُمْ رادون حامون وأقبلت الخوارج، فلما أن دنوا مِنَ النَّاسِ نادوا يَزِيد بن قيس، فكان يَزِيد بن قيس عَلَى أصبهان فَقَالُوا:
يَا يَزِيد بن قيس، لا حكم إلا لِلَّهِ، وإن كرهت إصبهان! فناداهم عباس ابن شريك وقبيصة بن ضبيعة العبسيان: يَا أعداء الله، اليس فيكم شريح ابن أوفى المسرف عَلَى نفسه؟ هل أنتم إلا أشباهه! قَالُوا: وما حجتكم عَلَى رجل كَانَتْ فِيهِ فتنة، وفينا توبة! ثُمَّ تنادوا: الرواح الرواح إِلَى الجنة! فشدوا عَلَى الناس والخيل أمام الرجال، فلم تثبت خيل الْمُسْلِمِينَ لشدتهم، وافترقت الخيل فرقتين: فرقة نحو الميمنة، وأخرى نحو الميسرة، وأقبلوا نحو الرجال، فاستقبلت المرامية وجوههم بالنبل، وعطفت عَلَيْهِم الخيل من الميمنة والميسره، ونهض اليهم الرجال بالرماح والسيوف، فو الله مَا لبثوهم أن أناموهم.
ثُمَّ إن حمزة بن سنان صاحب خيلهم لما رَأَى الهلاك نادى أَصْحَابه أن انزلوا، فذهبوا لينزلوا فلم يتقاروا حَتَّى حمل عَلَيْهِم الأسود بن قيس المرادي، وجاءتهم الخيل من نحو علي، فأهمدوا في الساعة