تسللوا من معسكرهم، فدخلوا إلا رجالا من وجوه الناس قليلا، وترك العسكر خاليا، فلما رَأَى ذَلِكَ دخل الْكُوفَة، وانكسر عَلَيْهِ رأيه فِي المسير.
قَالَ أَبُو مخنف عمن ذكره، عن زيد بن وهب: أن عليا قال لِلنَّاسِ- وَهُوَ أول كلام قاله لَهُمْ بعد النهر:
أَيُّهَا النَّاسُ، استعدوا للمسير إِلَى عدو فِي جهاده القربة إِلَى اللَّهِ ودرك الوسيلة عنده حيارى فِي الحق، جفاة عن الكتاب، نكب عن الدين، يعمهون فِي الطغيان، ويعكسون في غمره الضلال، ف أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ، وتوكلوا عَلَى اللَّه، وكفى بِاللَّهِ وكيلا، وكفى بالله نصيرا! قال: فلاهم نفروا وَلا تيسروا، فتركهم أياما حَتَّى إذا أيس من أن يفعلوا، دعا رؤساءهم ووجوههم، فسألهم عن رأيهم، وما الَّذِي ينظرهم، فمنهم المعتل، ومنهم المكره، وأقلهم من نشط فقام فِيهِمْ خطيبا، فَقَالَ:
عباد اللَّه، مَا لكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ! أرضيتم بالحياة الدُّنْيَا من الآخرة، وبالذل والهوان من العز! أو كلما ندبتكم إِلَى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت فِي سكرة، وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون! وكأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون لِلَّهِ أنتم! مَا أنتم إلا أسود الشرى فِي الدعة، وثعالب رواغة حين تدعون إِلَى البأس.
مَا أنتم لي بثقة سجيس الليالي، مَا أنتم بركب يصال بكم، وَلا ذي عز يعتصم إِلَيْهِ لعمر اللَّه، لبئس حشاش الحرب أنتم! إنكم تكادون وَلا تكيدون، ويتنقص أطرافكم وَلا تتحاشون، وَلا ينام عنكم وَأَنْتُمْ فِي غفلة ساهون، إن أخا الحرب اليقظان ذو عقل، وبات لذل من وادع، وغلب المتجادلون، والمغلوب مقهور ومسلوب ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإن لي عليكم