للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلب مُحَمَّد حَتَّى انتهى إِلَى علوج فِي قارعة الطريق، فسألهم: هل مر بكم أحد تنكرونه؟ فَقَالَ أحدهم: لا وَاللَّهِ، إلا أني دخلت تِلَكَ الخربة، فإذا أنا برجل فِيهَا جالس، فَقَالَ ابن حديج: هُوَ هُوَ ورب الكعبة، فانطلقوا يركضون حَتَّى دخلوا عَلَيْهِ، فاستخرجوه وَقَدْ كاد يموت عطشا، فأقبلوا بِهِ نحو فسطاط مصر قَالَ: ووثب أخوه عبد الرَّحْمَن بن أبي بَكْرٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- وَكَانَ فِي جنده فَقَالَ: أتقتل أخي صبرا! ابعث إِلَى مُعَاوِيَةَ بن حديج فانهه، فبعث إِلَيْهِ عَمْرو بن الْعَاصِ يأمره أن يأتيه بمُحَمَّد بن أبي بكر، فَقَالَ مُعَاوِيَة: أكذاك! قتلتم كنانة بن بشر وأخلي أنا عن مُحَمَّد بن أبي بكر! هيهات، «أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ» .

فَقَالَ لَهُمْ مُحَمَّد: اسقوني من الماء، قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة بن حديج: لا سقاه اللَّه إن سقاك قطرة أبدا! إنكم منعتم عُثْمَان أن يشرب الماء حَتَّى قتلتموه صائما محرما، فتلقاه الله بالرحيق المختوم، والله لأقتلنك يا ابن أبي بكر فيسقيك اللَّه الحميم والغساق! قَالَ له محمد: يا ابن اليهودية النساجة، ليس ذَلِكَ إليك وإلى من ذكرت، إنما ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يسقى أولياءه، ويظمئ اعداءه، أنت وضرباؤك ومن تولاه، أما وَاللَّهِ لو كَانَ سيفي فِي يدي مَا بلغتم مني هَذَا، قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة:

أتدري مَا أصنع بك؟ أدخلك فِي جوف حمار، ثُمَّ أحرقه عَلَيْك بالنار، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد: إن فعلتم بي ذَلِكَ، فطالما فعل ذَلِكَ بأولياء اللَّه! وإني لأرجو هَذِهِ النار الَّتِي تحرقني بِهَا أن يجعلها اللَّه علي بردا وسلاما كما جعلها عَلَى خليله إِبْرَاهِيم، وأن يجعلها عَلَيْك وعلى أوليائك كما جعلها عَلَى نمرود وأوليائه، إن اللَّه يحرقك ومن ذكرته قبل وإمامك- يعني مُعَاوِيَة، وهذا- وأشار إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ- بنار تلظى عَلَيْكُمْ، كلما خبت زادها اللَّه سعيرا قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: إني إنما أقتلك بعثمان، قَالَ لَهُ مُحَمَّد: وما أنت وعثمان! إن عُثْمَان عمل بالجور، ونبذ حكم القرآن، وَقَدْ قَالَ اللَّه تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» ، فنقمنا ذَلِكَ عَلَيْهِ فقتلناه، وحسنت

<<  <  ج: ص:  >  >>