تحكيم الحكمين [فَقَالَ لَهُ علي: ثكلتك أمك! إذا تعصي ربك، وتنكث عهدك، وَلا تضر إلا نفسك خبرني لم تفعل ذَلِكَ؟ قَالَ: لأنك حكمت فِي الكتاب، وضعفت عن الحق إذ جد الجد، وركنت إِلَى القوم الَّذِينَ ظلموا أنفسهم، فأنا عَلَيْك زار، وعليهم ناقم، ولكم جميعا مباين.
فَقَالَ لَهُ علي: هلم أدارسك الكتاب، وأناظرك فِي السنن، وأفاتحك أمورا من الحق أنا أعلم بِهَا مِنْكَ، فلعلك تعرف مَا أنت لَهُ الآن منكر، وتستبصر مَا أنت عنه الآن جاهل قَالَ: فإني عائد إليك، قَالَ: لا يستهوينك الشَّيْطَان، وَلا يستخفنك الجهل، وو الله لَئِنِ استرشدتني واستنصحتني وقبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد] .
فخرج من عنده منصرفا إِلَى أهله، فعجلت فِي أثره مسرعا وَكَانَ لي من بني عمه صديق، فأردت أن ألقى ابن عمه ذَلِكَ فأعلمه بشأنه، ويأمره بطاعة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ومناصحته، ويخبره أن ذَلِكَ خير لَهُ فِي عاجل الدُّنْيَا وآجل الآخرة فخرجت حَتَّى انتهيت إِلَى منزله وَقَدْ سبقني، فقمت عِنْدَ باب داره، وفي داره رجال من أَصْحَابه لم يكونوا شهدوا مَعَهُ دخوله عَلَى علي.
قال: فو الله مَا جزم شَيْئًا مما قَالَ، ومما رد عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا هَؤُلاءِ، إني قَدْ رأيت أن أفارق هَذَا الرجل، وَقَدْ فارقته عَلَى أن أرجع إِلَيْهِ من غد، وَلا أراني إلا مفارقه من غد فَقَالَ لَهُ أكثر أَصْحَابه: لا تفعل حَتَّى تأتيه، فإن أتاك بأمر تعرفه قبلت مِنْهُ، وإن كَانَتِ الأخرى فما أقدرك عَلَى فراقه.
فَقَالَ لَهُمْ: فنعم مَا رأيتم قَالَ: ثُمَّ إني استأذنت عَلَيْهِ، فأذنوا لي، فدخلت فقلت: أنشدك اللَّه أن تفارق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وجماعة الْمُسْلِمِينَ، وأن تجعل عَلَى نفسك سبيلا، وأن تقتل من أَرَى من عشيرتك! أن عَلِيًّا لعلى الحق.
قَالَ: فأنا أغدو إِلَيْهِ فأسمع مِنْهُ حجته، وأنظر مَا يعرض علي بِهِ ويذكر، فإن رأيت حقا ورشدا قبلت، وإن رأيت غيا وجورا تركت قَالَ: فخلوت بابن عمه ذَلِكَ- قَالَ: وَكَانَ أحد نفره الأدنين، وَهُوَ مدرك بن الريان، وَكَانَ من رجال العرب- فقلت لَهُ: إن لك علي حقا لإخائك وودك ذَلِكَ علي