بعد حق المسلم عَلَى المسلم إن ابن عمك كَانَ مِنْهُ مَا قَدْ ذكر لك، فأجد بِهِ، فاردد عَلَيْهِ رأيه، وعظم عَلَيْهِ مَا أتى، فإني خائف إن فارق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن يقتله نفسه وعشيرته فَقَالَ: جزاك اللَّه خيرا من أخ! فقد نصحت وأشفقت، إن أراد صاحبي فراق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فارقته وخالفته، وكنت أشد الناس عَلَيْهِ.
وأنا بعد فإني خال بِهِ، ومشير عَلَيْهِ بطاعة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ومناصحته والإقامة مَعَهُ، وفي ذَلِكَ حظه ورشده.
فقمت من عنده، وأردت الرجوع إِلَى أَمِير المؤمنين لا علمه بِالَّذِي كَانَ، ثُمَّ اطمأننت إِلَى قول صاحبي، فرجعت إِلَى منزلي فبت بِهِ ثُمَّ أصبحت، فلما ارتفع الضحى أتيت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فجلست عنده ساعة وأنا أريد أن أحدثه بِالَّذِي كَانَ من قوله لي عَلَى خلوة، فأطلت الجلوس، فلم يزدد الناس إلا كثرة، فدنوت منه، فجلست وراءه، فاصغى الى باذنيه، فخبرته بِمَا سمعت من الخريت بن راشد، وبما قلت لَهُ، وبما رد علي، وبما كَانَ من مقالتي لابن عمه، وبما رد علي، فَقَالَ: دعه، فإن عرف الحق واقبل إِلَيْهِ عرفنا ذَلِكَ وقبلنا مِنْهُ، وإن أبى طلبناه فقلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ولم لا تأخذه الآن وتستوثق مِنْهُ وتحبسه؟ فَقَالَ: إنا لو فعلنا هَذَا بكل من نتهمه مِنَ النَّاسِ ملأنا سجننا مِنْهُمْ، وَلا أراه- يعني الوثوب عَلَى الناس والحبس والعقوبة- حَتَّى يظهروا لنا الخلاف قَالَ: فسكت عنه، وتنحيت، فجلست مع القوم.
ثُمَّ مكث مَا شاء اللَّه ثُمَّ إنه قَالَ: ادن مني، فدنوت مِنْهُ، فَقَالَ لي مسرا: اذهب إِلَى منزل الرجل فاعلم لي مَا فعل، فإنه كل يوم لَمْ يَكُنْ يأتيني فِيهِ إلا قبل هَذِهِ الساعة فأتيت منزله، فإذا ليس فِي منزله مِنْهُمْ ديار، فدعوت عَلَى أبواب دور أخرى كَانَ فِيهَا طائفة من أَصْحَابه، فإذا ليس فِيهَا داع وَلا مجيب، فرجعت فَقَالَ لي حين رآني: وطنوا فأمنوا، أم جنبوا فظعنوا! [فقلت: بل ظعنوا فأعلنوا، فَقَالَ: قَدْ فعلوها! بعدا لَهُمْ كما بعدت ثمود! أما لو قَدْ أشرعت لَهُمُ الأسنة وصببت عَلَى هامهم السيوف،