لقد ندموا أن الشَّيْطَان الْيَوْم قَدِ استهواهم وأضلهم، وهو غدا متبرئ منهم، ومخل عَنْهُمْ] .
فقام إِلَيْهِ زياد بن خصفة، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنه لو لَمْ يَكُنْ من مضرة هَؤُلاءِ إلا فراقهم إيانا لم يعظم فقدهم فنأسى عَلَيْهِم، فإنهم قلما يزيدون فِي عددنا لو أقاموا معنا، وقلما ينقصون من عددنا بخروجهم عنا، ولكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممن يقدمون عَلَيْهِ من أهل طاعتك، فأذن لي فِي اتباعهم حَتَّى أردهم عَلَيْك إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ علي:
وهل تدري أين توجه القوم؟ فَقَالَ: لا، ولكني أخرج فأسأل وأتبع الأثر.
فَقَالَ لَهُ: اخرج رحمك اللَّه حَتَّى تنزل دير أبي مُوسَى، ثم لا تتوجه حَتَّى يأتيك أمري، فإنهم إن كَانُوا خرجوا ظاهرين لِلنَّاسِ فِي جماعة، فإن عمالي ستكتب إلي بِذَلِكَ، وإن كَانُوا متفرقين مستخفين فذلك أخفى لَهُمْ، وسأكتب إِلَى عمالي فِيهِمْ فكتب نسخة واحدة فأخرجها إِلَى العمال:
أَمَّا بَعْدُ، فإن رجالا خرجوا هرابا ونظنهم وجهوا نحو بلاد الْبَصْرَة، فسل عَنْهُمْ أهل بلادك، واجعل عَلَيْهِم العيون فِي كل ناحية من أرضك، واكتب إلي بِمَا ينتهي إليك عَنْهُمْ، والسلام.
فخرج زياد بن خصفة حَتَّى أتى داره، وجمع أَصْحَابه، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا معشر بكر بن وائل، فإن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ندبني لأمر من أمره مهم لَهُ، وأمرني بالانكماش فِيهِ، وَأَنْتُمْ شيعته وأنصاره، وأوثق حي من الأحياء فِي نفسه، فانتدبوا معى الساعة، واعجلوا.
قال: فو الله مَا كَانَ إلا ساعة حَتَّى اجتمع لَهُ مِنْهُمْ مائة وعشرون رجلا أو ثلاثون، فَقَالَ: اكتفينا، لا نريد أكثر من هَذَا، فخرجوا حَتَّى قطعوا الجسر، ثُمَّ دير أبي مُوسَى، فنزله، فأقام فِيهِ بقية يومه ذَلِكَ ينتظر أمر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ