وَقَدْ فشت فينا وفيهم الجراح ثُمَّ إن القوم لما لبسهم الليل خرجوا من تحته متنكبين إِلَى أرض الأهواز، فبلغنا أَنَّهُمْ نزلوا منها جانبا ونحن بِالْبَصْرَةِ نداوي جراحنا، وننتظر أمرك رحمك اللَّه، والسلام عَلَيْك.
فلما أتيته بكتابه قرأه عَلَى الناس، فقام إِلَيْهِ معقل بن قيس، فَقَالَ:
أصلحك اللَّه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إنما كَانَ ينبغي أن يكون مع من يطلب هَؤُلاءِ مكان كل رجل مِنْهُمْ عشرة مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فإذا لحقوهم استأصلوهم وقطعوا دابرهم، فأما أن يلقاهم أعدادهم فلعمري ليصبرن لَهُمْ، هم قوم عرب، والعدة تصبر للعدة، وتنتصف منها فَقَالَ: تجهز يَا معقل بن قيس إِلَيْهِم وندب مَعَهُ ألفين من أهل الْكُوفَة مِنْهُمْ يَزِيد بن المغفل الأَزْدِيّ وكتب إِلَى ابن عَبَّاس: أَمَّا بَعْدُ، فابعث رجلا من قبلك صليبا شجاعا معروفا بالصلاح فِي ألفي رجل، فليتبع معقلا، فإذا مر ببلاد الْبَصْرَة فهو أَمِير أَصْحَابه حَتَّى يلقى معقلا، فإذا لقي معقلا فمعقل أَمِير الفريقين، وليسمع من معقل وليطعه، وَلا يخالفه، ومر زياد بن خصفة فليقبل، فنعم المرء زياد، ونعم القبيل قبيله! قَالَ أَبُو مخنف: وَحَدَّثَنِي أَبُو الصلت الأعور، عن أبي سَعِيد العقيلي، قَالَ: كتب علي إِلَى زياد بن خصفة:
أَمَّا بَعْدُ، فقد بلغني كتابك، وفهمت مَا ذكرت من أمر الناجي وإخوانه الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ، * وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ* فَهُمْ يَعْمَهُونَ، ويَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً،
ووصفت مَا بلغ بك وبهم الأمر، فأما أنت وأَصْحَابك فلله سعيكم، وعلى اللَّه تعالى جزاؤكم! فأبشر بثواب اللَّه خير من الدُّنْيَا الَّتِي يقتل الجهال أنفسهم عَلَيْهَا، فإن مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وأما عدوكم الَّذِينَ لقيتموهم فحسبهم بخروجهم من الهدى إِلَى الضلال، وارتكابهم فِيهِ، وردهم الحق، ولجاجهم فِي الْفِتْنَة، فذرهم وما يفترون، ودعهم فِي طغيانهم يعمهون، فتسمع وتبصر، كأنك