أحببت مِنْهُمْ، فدعوت من أَصْحَابنا ثلاثا، فكنا خمسة وخمسة فَقَالَ لَهُ زياد: مَا الَّذِي نقمت عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وعلينا إذ فارقتنا؟ فَقَالَ: لم أرض صاحبكم إماما، ولم أرض سيرتكم سيرة، فرأيت أن أعتزل وأكون مع من يدعو إِلَى الشورى مِنَ النَّاسِ، فإذا اجتمع الناس عَلَى رجل لجميع الأمة رضا كنت مع الناس فَقَالَ لَهُ زياد: ويحك! وهل يجتمع الناس عَلَى رجل مِنْهُمْ يداني صاحبك الَّذِي فارقته علما بِاللَّهِ وبسنن اللَّه وكتابه، مع قرابته من الرسول ص وسابقته فِي الإِسْلام! فَقَالَ لَهُ:
ذَلِكَ مَا أقول لك، فَقَالَ لَهُ زياد: ففيم قتلت ذَلِكَ الرجل المسلم؟ قَالَ: مَا أنا قتلته، إنما قتلته طائفة من أَصْحَابي، قَالَ: فادفعهم إلينا، قَالَ: مَا إِلَى ذَلِكَ سبيل، قَالَ: كذلك أنت فاعل؟ قَالَ: هُوَ مَا تسمع، قَالَ: فدعونا أَصْحَابنا ودعا أَصْحَابه، ثُمَّ أقبلنا، فو الله مَا رأينا قتالا مثله منذ خلقني ربي، قَالَ: اطّعنَا وَاللَّهِ بالرماح حَتَّى لم يبق فِي أيدينا رمح، ثُمَّ اضطربنا بالسيوف حَتَّى انحنت وعقر عامة خيلنا وخيلهم، وكثرت الجراح فِيمَا بيننا وبينهم، وقتل منا رجلان: مولى زياد كَانَتْ مَعَهُ رايته يدعى سويدا ورجل من الأبناء يدعى وافد بن بكر، وصرعنا مِنْهُمْ خمسة، وجاء الليل يحجز بيننا وبينهم، وَقَدْ وَاللَّهِ كرهونا وكرهناهم، وَقَدْ جرح زياد وجرحت.
قَالَ: ثُمَّ إن القوم تنحوا وبتنا فِي جانب، فمكثوا ساعة من الليل، ثُمَّ انهم ذهبوا واتبعناهم حَتَّى أتينا الْبَصْرَة، وبلغنا أَنَّهُمْ أتوا الأهواز، فنزلوا بجانب منها، وتلاحق بهم أناس من أَصْحَابهم نحو من مائتين كَانُوا معهم بالكوفة، ولم يكن لَهُمْ من القوة مَا ينهضهم معهم حَتَّى نهضوا فاتبعوهم فلحقوهم بأرض الأهواز، فأقاموا معهم وكتب زياد بن خصفة إِلَى علي:
أَمَّا بَعْدُ، فإنا لقينا عدو اللَّه الناجي بالمذار، فدعوناهم إِلَى الهدى والحق وإلى كلمة السواء، فلم ينزلوا عَلَى الحق، وأخذتهم العزة بالإثم، وزين لَهُمُ الشَّيْطَان أعمالهم فصدهم عن السبيل، فقصدوا لنا، وصمدنا صمدهم، فاقتتلنا قتالا شديدا مَا بين قائم الظهيرة إِلَى دلوك الشمس، فاستشهد منا رجلان صالحان، وأصيب مِنْهُمْ خمسة نفر، وخلوا لنا المعركة،