مَا أدري مَا هم! إلا أن الرجال يختلفون إِلَى هَذِهِ الدار رجالا وفرسانا لا ينقطعون، وَلَقَدْ أنكرنا ذَلِكَ منذ أيام، وَلا ندري من هم! فركب حجار فرسه، وخرج مَعَهُ غلام لَهُ، فأقبل حَتَّى انتهى إِلَى باب دارهم، فإذا عَلَيْهِ رجل مِنْهُمْ، فكلما أتى إنسان مِنْهُمْ إِلَى الباب دخل إِلَى صاحبه فأعلمه، فأذن لَهُ، فإن جاءه رجل من معروفيهم دخل ولم يستأذن، فلما انتهى إِلَيْهِ حجار لم يعرفه الرجل، فَقَالَ: من أنت رحمك اللَّه؟ وما تريد؟ قَالَ:
أردت لقاء صاحبي، قَالَ لَهُ: وما اسمك؟ قَالَ لَهُ: حجار بن أبجر، قَالَ:
فكما أنت حَتَّى أوذنهم بك ثُمَّ أخرج إليك فَقَالَ لَهُ حجار: ادخل راشدا! فدخل الرجل، واتبعه حجار مسرعا، فانتهى إِلَى باب صفة عظيمة هم فِيهَا، وَقَدْ دخل إِلَيْهِم الرجل فَقَالَ: هَذَا رجل يستأذن عَلَيْك أنكرته فقلت لَهُ: من أنت؟ فَقَالَ: أنا حجار بن أبجر، فسمعهم يتفزعون ويقولون:
حجار بن أبجر! وَاللَّهِ مَا جَاءَ حجار بن أبجر بخير فلما سمع القول مِنْهُمْ أراد أن ينصرف ويكتفي بِذَلِكَ من الاسترابة بأمرهم، ثُمَّ أبت نفسه أن ينصرف حَتَّى يعاينهم، فتقدم حَتَّى قام بين سجفي باب الصفة وَقَالَ: السلام عَلَيْكُمْ، فنظر فإذا هُوَ بجماعة كثيرة، وإذا سلاح ظاهر ودروع، فَقَالَ حجار:
اللَّهُمَّ اجمعهم عَلَى خير، من أنتم عافاكم اللَّه؟ فعرفه عَلِيّ بن ابى شمر ابن الحصين، من تيم الرباب- وَكَانَ أحد الثمانية الَّذِينَ انهزموا من الخوارج يوم النهر، وَكَانَ من فرسان العرب ونساكهم وخيارهم- فَقَالَ لَهُ: يا حجار ابن أبجر، إن كنت إنما جَاءَ بك التماس الخبر فقد وجدته، وإن كنت إنما جَاءَ بك أمر غير ذَلِكَ فادخل، وأخبرنا مَا أتى بك، فَقَالَ: لا حاجة لي فِي الدخول، فانصرف، فَقَالَ بعضهم لبعض: أدركوا هَذَا فاحبسوه، فإنه مؤذن بكم، فخرجت مِنْهُمْ جماعة فِي إثره- وَذَلِكَ عِنْدَ تطفيل الشمس للإياب- فانتهوا إِلَيْهِ وَقَدْ ركب فرسه، فَقَالُوا لَهُ: أَخْبِرْنَا خبرك، وما جَاءَ بك؟ قَالَ: لم آت لشيء يروعكم وَلا يهولكم، فَقَالُوا لَهُ: انتظر حَتَّى ندنو مِنْكَ ونكلمك، أو تدنو منا، أَخْبِرْنَا فنعلمك أمرنا، ونذكر حاجتنا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا أنا بدان مِنْكُمْ، وَلا أريد أن يدنو مني مِنْكُمْ أحد، فَقَالَ لَهُ