أنك لا تجزع من الموت، فأنا أدعك فابرأ من صاحبك، فَقَالَ: ما لي لا أجزع وأنا أَرَى قبرا محفورا، وكفنا منشورا، وسيفا مشهورا، وإني وَاللَّهِ إن جزعت من القتل لا أقول مَا يسخط الرب فقتله، وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حَتَّى قتلوا ستة فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي: ابعثوا بنا إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فنحن نقول فِي هَذَا الرجل مثل مقالته، فبعثوا إِلَى مُعَاوِيَةَ يخبرونه بمقالتهما، فبعث إِلَيْهِم أن ائتوني بهما.
فلما دخلا عَلَيْهِ قَالَ الخثعمي: اللَّه اللَّه يَا مُعَاوِيَة، فإنك منقول من هَذِهِ الدار الزائلة إِلَى الدار الآخرة الدائمة، ثُمَّ مسئول عما أردت بقتلنا، وفيم سفكت دماءنا، فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا تقول فِي علي؟ قَالَ: أقول فِيهِ قولك، قَالَ: أتبرأ من دين علي الَّذِي كَانَ يدين اللَّه بِهِ؟ فسكت، وكره مُعَاوِيَة أن يجيبه وقام شمر بن عَبْدِ اللَّهِ من بني قحافة، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هب لي ابن عمي، قَالَ: هُوَ لك، غير أني حابسه شهرا، فكان يرسل إِلَيْهِ بين كل يومين فيكلمه، وَقَالَ لَهُ: إني لأنفس بك عَلَى العراق أن يكون فِيهِمْ مثلك.
ثُمَّ إن شمرا عاوده فِيهِ الكلام، فَقَالَ: نمرك عَلَى هبة ابن عمك، فدعاه فخلى سبيله على الا يدخل إِلَى الْكُوفَةِ مَا كَانَ لَهُ سلطان، فَقَالَ: تخير أي بلاد العرب أحب إليك أن أسيرك إِلَيْهَا، فاختار الموصل، فكان يقول:
لو قَدْ مات مُعَاوِيَة قدمت المصر، فمات قبل مُعَاوِيَة بشهر.
ثُمَّ أقبل عَلَى عبد الرَّحْمَن العنزي فَقَالَ: إيه يَا أخا رَبِيعَة! مَا قولك فِي علي؟ قَالَ: دعني وَلا تسألني فإنه خير لك، قَالَ: وَاللَّهِ لا أدعك حَتَّى تخبرني عنه، قَالَ: أشهد أنه كَانَ من الذاكرين اللَّه كثيرا، ومن الآمرين بالحق، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس، قَالَ: فما قولك