وَجَلَّ كتب علينا الجهاد، فمنا مَنْ قَضى نَحْبَهُ، ومنا مَنْ يَنْتَظِرُ، وأولئك الأبرار الفائزون بفضلهم، ومن يكن منا من ينتظر فهو من سلفنا القاضين نحبهم، السابقين بإحسان، فمن كَانَ مِنْكُمْ يريد اللَّه وثوابه فليسلك سبيل أَصْحَابه وإخوانه يؤته اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ مع الْمُحْسِنِينَ.
قَالَ معاذ بن جوين الطَّائِيّ: يَا أهل الإِسْلام، إنا وَاللَّهِ لو علمنا أنا إذا تركنا جهاد الظلمة وإنكار الجور، كَانَ لنا بِهِ عِنْدَ اللَّه عذر، لكان تركه أيسر علينا، وأخف من ركوبه، ولكنا قَدْ علمنا واستيقنا أنه لا عذر لنا، وَقَدْ جعل لنا القلوب والأسماع حَتَّى ننكر الظلم، ونغير الجور، ونجاهد الظالمين، ثُمَّ قَالَ: ابسط يدك نبايعك، فبايعه وبايعه القوم، فضربوا عَلَى يد حيان بن ظبيان، فبايعوه، وَذَلِكَ فِي إمارة عبد الرَّحْمَن بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الثقفي، وَهُوَ ابن أم الحكم، وَكَانَ عَلَى شرطته زائدة بن قدامة الثقفي.
ثُمَّ إن القوم اجتمعوا بعد ذَلِكَ بأيام إِلَى منزل معاذ بن جوين بن حصين الطَّائِيّ فَقَالَ لَهُمْ حيان بن ظبيان: عباد اللَّه، أشيروا برأيكم، أين تأمروني أن أخرج؟ فَقَالَ لَهُ معاذ: إني أَرَى أن تسير بنا إِلَى حلوان حَتَّى ننزلها، فإنها كورة بين السهل والجبل، وبين المصر والثغر- يعني بالثغر الري- فمن كَانَ يرى رأينا من أهل المصر والثغر والجبال والسواد لحق بنا فَقَالَ لَهُ حيان: عدوك معاجلك قبل اجتماع الناس إليك، لعمري لا يتركونكم حَتَّى يجتمعوا إليكم، ولكن قَدْ رأيت أن أخرج معكم فِي جانب الْكُوفَة والسبخة أو زرارة والحيرة، ثُمَّ نقاتلهم حَتَّى نلحق بربنا، فإني وَاللَّهِ لقد علمت أنكم لا تقدرون وَأَنْتُمْ دون المائة رجل أن تهزموا عدوكم، ولا ان تشتد نكايتكم فِيهِمْ، ولكن متى علم اللَّه أنكم قَدْ أجهدتم أنفسكم فِي جهاد عدوه وعدوكم كَانَ لكم بِهِ العذر، وخرجتم من الإثم قالوا: رأينا رأيك، فقال لهم عتريس ابن عرقوب أَبُو سُلَيْمَان الشيباني: ولكن لا أَرَى راى جماعتكم، فانظروا في راى لكم، إني لا إخالكم تجهلون معرفتي بالحرب، وتجربتي بالأمور، فَقَالُوا لَهُ: أجل، أنت كما ذكرت، فما رأيك؟ قَالَ: مَا أَرَى أن تخرجوا عَلَى الناس بالمصر، إنكم قليل فِي كثير، وَاللَّهِ مَا تزَيْدون عَلَى أن تجزروهم أنفسكم، وتقروا أعينهم بقتلكم، وليس هكذا تكون المكايدة إذ آثرتم أن