تسيرون إِلَى الكورة الَّتِي أشار بنزولها معاذ بن جوين بن حصين- يعني حلوان- أو تسيرون بنا إِلَى عين التمر فنقيم بِهَا، فإذا سمع بنا إخواننا أتونا من كل جانب وأوب، فَقَالَ لَهُ حيان بن ظبيان: إنك وَاللَّهِ لو سرت بنا أنت وجميع أَصْحَابك نحو أحد هَذَيْنِ الوجهين مَا اطمأننتم بِهِ حَتَّى يلحق بكم خيول أهل المصر، فأنى تشفون أنفسكم! فو الله مَا عدتكم بالكثيرة الَّتِي ينبغي أن تطمعوا معها بالنصر فِي الدُّنْيَا عَلَى الظالمين المعتدين، فاخرجوا بجانب من مصركم هَذَا فقاتلوا عن أمر اللَّه من خالف طاعة اللَّه، وَلا تربصوا وَلا تنتظروا فإنكم إنما تبادرون بِذَلِكَ إِلَى الجنة، وتخرجون أنفسكم بِذَلِكَ من الْفِتْنَة قَالُوا: أما إذا كَانَ لا بد لنا فإنا لن نخالفك، فاخرج حَيْثُ أحببت.
فمكث حَتَّى إذا كَانَ آخر سنة من سني ابن أم الحكم فِي أول السنة- وَهُوَ أول يوم من شهر ربيع الآخر- اجتمع أَصْحَاب حيان بن ظبيان إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا قوم، إن اللَّه قَدْ جمعكم لخير وعلى خير، وَاللَّهِ الَّذِي لا إله غيره مَا سررت بشيء قط فِي الدُّنْيَا بعد ما أسلمت سروري لمخرجي هَذَا عَلَى الظلمة الاثمه، فو الله مَا أحب أن الدُّنْيَا بحذافيرها لي وأن اللَّه حرمني فِي مخرجي هَذَا الشهادة وأني قَدْ رأيت أن نخرج حَتَّى ننزل جانب دار جرير، فإذا خرج إليكم الأحزاب ناجزتموهم فَقَالَ عتريس بن عرقوب البكري: أما إن نقاتلهم فِي جوف المصر فإنه يقاتلنا الرجال، وتصعد النساء والصبيان والإماء فيرموننا بالحجارة، فَقَالَ لَهُمْ رجل مِنْهُمُ: انزلوا بنا إذا من وراء المصر الجسر- وَهُوَ موضع زرارة، وإنما بنيت زرارة بعد ذَلِكَ إلا أبياتا يسيرة كَانَتْ منها قبل ذَلِكَ- فَقَالَ لَهُمْ معاذ بن جوين بن حصين الطَّائِيّ: لا، بل سيروا بنا فلننزل بانقيا فما أسرع مَا يأتيكم عدوكم، فإذا كَانَ ذَلِكَ استقبلنا القوم بوجوهنا، وجعلنا البيوت فِي ظهورنا، فقاتلناهم من وجه واحد فخرجوا، فبعث إِلَيْهِم جيش، فقتلوا جميعا