الْوَلِيد فِي الأمر وَقَالَ: كيف ترى أن نصنع؟ قَالَ: فإني أَرَى أن تبعث الساعة إِلَى هَؤُلاءِ النفر فتدعوهم إِلَى البيعة والدخول فِي الطاعة، فإن فعلوا قبلت مِنْهُمْ، وكففت عَنْهُمْ، وإن أبوا قدمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت مُعَاوِيَة، فإنهم إن علموا بموت مُعَاوِيَة وثب كل امرئ مِنْهُمْ فِي جانب، وأظهر الخلاف والمنابذة، ودعا إِلَى نفسه لا أدري، أما ابن عمر فإني لا أراه يرى القتال، وَلا يحب أنه يولى عَلَى الناس، إلا أن يدفع إِلَيْهِ هَذَا الأمر عفوا فأرسل عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَانَ- وَهُوَ إذ ذاك غلام حدث- إليهما يدعوهما، فوجدهما فِي المسجد وهما جالسان، فأتاهما فِي ساعة لَمْ يَكُنِ الْوَلِيد يجلس فِيهَا لِلنَّاسِ، وَلا يأتيانه فِي مثلها، فَقَالَ: أجيبا، الأمير يدعوكما، فقال لَهُ: انصرف، الآن نأتيه ثُمَّ أقبل أحدهما عَلَى الآخر، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ للحسين: ظن فيما تراه بعث إلينا فِي هَذِهِ الساعة الَّتِي لَمْ يَكُنْ يجلس فِيهَا! فَقَالَ حُسَيْن: قَدْ ظننت، أرى طاغيتهم قَدْ هلك، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو فِي الناس الخبر، فَقَالَ: وأنا مَا أظن غيره قَالَ: فما تريد أن تصنع؟ قَالَ: أجمع فتياني الساعة، ثُمَّ أمشي إِلَيْهِ، فإذا بلغت الباب احتبستهم عَلَيْهِ، ثُمَّ دخلت عَلَيْهِ.
قَالَ: فإني أخافه عَلَيْك إذا دخلت، قَالَ: لا آتيه إلا وأنا عَلَى الامتناع قادر فقام فجمع إِلَيْهِ مواليه وأهل بيته، ثُمَّ أقبل يمشي حَتَّى انتهى إِلَى باب الْوَلِيد وَقَالَ لأَصْحَابه: إني داخل، فإن دعوتكم أو سمعتم صوته قَدْ علا فاقتحموا علي بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حَتَّى أخرج إليكم، فدخل فسلم عَلَيْهِ بالإمرة ومروان جالس عنده، فَقَالَ حُسَيْن، كأنه لا يظن مَا يظن من موت مُعَاوِيَة: الصلة خير من القطيعة، أصلح اللَّه ذات بينكما! فلم يجيباه فِي هَذَا بشيء، وجاء حَتَّى جلس، فأقرأه الْوَلِيد الكتاب، ونعى لَهُ مُعَاوِيَة، ودعاه إِلَى البيعة، [فَقَالَ حُسَيْن: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! ورحم اللَّه مُعَاوِيَة، وعظم لك الأجر! أما مَا سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرا،