للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمور، ولم يحنكه السن، ولم تضرسه التجارب، وَكَانَ لا يكاد ينظر فِي شَيْءٍ من سلطانه وَلا عمله، وبعث إِلَى يَزِيد وفدا من أهل الْمَدِينَة فِيهِمْ عَبْد اللَّهِ بن حنظلة الغسيل الأَنْصَارِيّ وعبد اللَّه بن أبي عَمْرو بن حفص بن الْمُغِيرَة المخزومي، والمنذر بن الزُّبَيْرِ، ورجالا كثيرا من أشراف أهل الْمَدِينَة، فقدموا عَلَى يَزِيد بن مُعَاوِيَة، فأكرمهم، وأحسن إِلَيْهِم، وأعظم جوائزهم ثُمَّ انصرفوا من عنده، وقدموا المدينة كلهم الا المنذر ابن الزُّبَيْرِ فإنه قدم عَلَى عُبَيْد اللَّهِ بن زياد بِالْبَصْرَةِ- وَكَانَ يَزِيد قَدْ أجازه بمائة ألف درهم- فلما قدم أُولَئِكَ النفر الوفد الْمَدِينَة قاموا فِيهِمْ فأظهروا شتم يَزِيد وعتبة، وَقَالُوا: إنا قدمنا من عِنْدَ رجل ليس لَهُ دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الخراب والفتيان، وإنا نشهدكم أنا قَدْ خلعناه، فتابعهم الناس.

قَالَ لوط بن يَحْيَى: فَحَدَّثَنِي عَبْد الْمَلِكِ بن نوفل بن مساحق، أن الناس أتوا عَبْد اللَّهِ بن حنظلة الغسيل فبايعوه وولوه عَلَيْهِم.

قَالَ لوط: وَحَدَّثَنِي أَيْضًا مُحَمَّد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف:

ورجع المنذر من عِنْدَ يَزِيد بن مُعَاوِيَة، فقدم عَلَى عُبَيْد اللَّهِ بن زياد الْبَصْرَة، فأكرمه وأحسن ضيافته، وَكَانَ لزياد صديقا، إذ سقط إِلَيْهِ كتاب من يَزِيد بن مُعَاوِيَة حَيْثُ بلغه أمر أَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ أن أوثق المنذر بن الزُّبَيْرِ واحبسه عندك حَتَّى يأتيك فِيهِ امرى، فكره ذلك عبيد الله ابن زياد لأنه ضيفه، فدعاه فأخبره بالكتاب وأقرأه إِيَّاهُ، وَقَالَ لَهُ: إنك كنت لزياد ودا وَقَدْ أصبحت لي ضيفا، وَقَدْ آتيت إليك معروفا، فأنا أحب أن أسدي ذَلِكَ كله بإحسان، فإذا اجتمع الناس عندي فقم فقل:

ائذن لي فلأنصرف إِلَى بلادي، فإذا قلت: لا بل أقم عندي فإن لك الكرامة والمواساة والأثرة، فقل: لي ضيعة وشغل، لا أجد من الانصراف بدا فأذن لي، فإني آذن لك عِنْدَ ذَلِكَ، فالحق بأهلك.

فلما اجتمع الناس عِنْدَ عُبَيْد اللَّهِ قام إِلَيْهِ فاستأذنه فَقَالَ: لا بل أقم عندي فإني مكرمك ومواسيك ومؤثرك، فَقَالَ لَهُ: إن لي ضيعه وشغلا،

<<  <  ج: ص:  >  >>