وَلا أجد من الانصراف بدا فأذن لي، فأذن لَهُ فانطلق حَتَّى لحق بالحجاز، فأتى أهل الْمَدِينَة، فكان فيمن يحرض الناس عَلَى يَزِيد، وَكَانَ من قوله يَوْمَئِذٍ: إن يَزِيد وَاللَّهِ لقد أجازني بمائة ألف درهم، وإنه لا يمنعني مَا صنع إلي أن أخبركم خبره، وأصدقكم عنه، وَاللَّهِ إنه ليشرب الخمر، وإنه ليسكر حَتَّى يدع الصَّلاة، وعابه بمثل مَا عابه بِهِ أَصْحَابه الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وأشد، فكان سَعِيد بن عَمْرو يحدث بالكوفة أن يَزِيد بن مُعَاوِيَة بلغه قوله فِيهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إني آثرته وأكرمته، ففعل مَا قَدْ رأيت، فاذكره بالكذب والقطيعة.
قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي سَعِيد بن زَيْد أَبُو المثلم أن يَزِيد بن مُعَاوِيَة بعث النُّعْمَان بن بشير الأنصاري فقال له: ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون، فإنهم إن لم ينهضوا فِي هَذَا الأمر لم يجترئ الناس عَلَى خلافي، وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض فِي هَذِهِ الْفِتْنَة فيهلك فأقبل النُّعْمَان بن بشير فأتى قومه، ودعا الناس إِلَيْهِ عامة، وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة، وخوفهم الْفِتْنَة، وَقَالَ لَهُمْ: إنه لا طاقة لكم بأهل الشام، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن مطيع العدوي: مَا يحملك يَا نعمان عَلَى تفريق جماعتنا، وفساد مَا أصلح اللَّه من أمرنا! فَقَالَ النُّعْمَان: أما وَاللَّهِ لكأني بك لو قَدْ نزلت تِلَكَ الَّتِي تدعو إِلَيْهَا، وقامت الرجال عَلَى الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف، ودارت رحا الموت بين الفريقين قَدْ هربت عَلَى بغلتك تضرب جنبيها إِلَى مكة، وَقَدْ خلفت هَؤُلاءِ المساكين- يعني الأنصار- يقتلون فِي سككهم ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم! فعصاه الناس، فانصرف وَكَانَ وَاللَّهِ كما قَالَ.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة الْوَلِيد بن عتبة وكانت العمال فِي هَذِهِ السنة عَلَى العراق وخراسان العمال الَّذِينَ ذكرت فِي سنة إحدى وستين.
وفي هَذِهِ السنة ولد- فِيمَا ذكر- مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس