للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مخنف: عن عبد الجبار- يعني ابن عباس الهمدانى- عن عون ابن أبي جحيفة السوائي، قَالَ: ثُمَّ إن عَبْد اللَّهِ بن يَزِيدَ وإبراهيم بن مُحَمَّد ابن طَلْحَة عرضا عَلَى سُلَيْمَان أن يقيم مَعَهُمَا حَتَّى يلقوا جموع أهل الشام عَلَى أن يخصاه وأَصْحَابه بخراج جوخى خاصة لَهُمْ دون الناس، فَقَالَ لهما سُلَيْمَان: إنا ليس للدنيا خرجنا، وإنما فعلا ذَلِكَ لما قَدْ كَانَ بلغهما من إقبال عُبَيْد اللَّهِ بن زياد نحو العراق وانصرف إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد وعبد اللَّه بن يَزِيدَ إِلَى الْكُوفَةِ، وأجمع القوم عَلَى الشخوص واستقبال ابن زياد، ونظروا فإذا شيعتهم من أهل الْبَصْرَة لم يوافوهم لميعادهم وَلا أهل المدائن، فأقبل ناس من أَصْحَابه يلزمونهم، فقال سليمان: لا تلزموهم فإني لا أراهم إلا سيسرعون إليكم، لو قَدِ انتهى إِلَيْهِم خبركم وحين مسيركم، وَلا أراهم خلفهم وَلا أقعدهم إلا قلة النفقة وسوء العدة، فأقيموا ليتيسروا ويتجهزوا ويلحقوا بكم وبهم قوة، وما أسرع القوم فِي آثاركم قَالَ: ثُمَّ إن سُلَيْمَان بن صرد قام فِي النَّاسِ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ اللَّه قَدْ علم مَا تنوون، وما خرجتم تطلبون، وإن للدنيا تجارا، وللآخرة تجارا، فأما تاجر الآخرة فساع إِلَيْهَا، متنصب بتطلابها، لا يشتري بِهَا ثمنا، لا يرى إلا قائما وقاعدا، وراكعا وساجدا، لا يطلب ذهبا وَلا فضة، وَلا دنيا وَلا لذة، وأما تاجر الدُّنْيَا فمكب عَلَيْهَا، راتع فِيهَا، لا يبتغي بِهَا بدلا، فعَلَيْكُمْ يرحمكم اللَّه فِي وجهكم هَذَا بطول الصَّلاة فِي جوف الليل، وبذكر اللَّه كثيرا عَلَى كل حال، وتقربوا إِلَى اللَّهِ جل ذكره بكل خير قدرتم عَلَيْهِ، حتى تلقوا هذا العدو والمحل القاسط فتجاهدوه، فان تتوسلوا إِلَى ربكم بشيء هُوَ أعظم عنده ثوابا من الجهاد والصلاة، فإن الجهاد سنام العمل جعلنا اللَّه وإياكم من العباد الصالحين، المجاهدين الصابرين عَلَى اللأواء! وإنا مدلجون الليلة من منزلنا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فادلجوا.

فادلج عشية الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين للهجرة

<<  <  ج: ص:  >  >>