قَالَ: فلما خرج سُلَيْمَان وأَصْحَابه من النخيلة دعا سليمان بن صرد حكيم ابن منقذ فنادى فِي الناس: أَلا لا يبيتن رجل مِنْكُمْ دون دير الأعور.
فبات الناس بدير الأعور، وتخلف عنه ناس كثير، ثُمَّ سار حَتَّى نزل الأقساس، أقساس مالك عَلَى شاطئ الفرات، فعرض الناس، فسقط مِنْهُمْ نحو من ألف رجل، فَقَالَ ابن صرد: مَا أحب أن من تخلف عنكم معكم، ولو خرجوا معكم مَا زادوكم إلا خبالا، إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كره انبعاثهم فثبطهم، وخصكم بفضل ذَلِكَ، فاحمدوا ربكم ثُمَّ خرج من منزله ذلك دلجه، فصبحوا قبر الْحُسَيْن، فأقاموا بِهِ ليلة ويوما يصلون عَلَيْهِ، ويستغفرون لَهُ، قَالَ: فلما انتهى الناس إِلَى قبر الْحُسَيْن صاحوا صيحة واحدة، وبكوا، فما رئي يوم كَانَ أكثر باكيا مِنْهُ.
قَالَ أَبُو مخنف: وَقَدْ حدث عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الرحمن ابن غزية، قَالَ: لما انتهينا إِلَى قبر الْحُسَيْن ع بكى الناس بأجمعهم، وسمعت جل الناس يتمنون أَنَّهُمْ كَانُوا أصيبوا مَعَهُ، فَقَالَ سُلَيْمَان: اللَّهُمَّ ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد، المهدي ابن المهدي، الصديق ابن الصديق، اللَّهُمَّ إنا نشهدك أنا عَلَى دينهم وسبيلهم، وأعداء قاتليهم، وأولياء محبيهم ثم انصرف ونزل، ونزل أَصْحَابه.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنَا الأعمش، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، قَالَ: لما انتهى سُلَيْمَان بن صرد وأَصْحَابه إِلَى قبر الْحُسَيْن نادوا صيحة واحدة: يَا رب إنا قَدْ خذلنا ابن بنت نبينا، فاغفر لنا مَا مضى منا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وارحم حسينا وأَصْحَابه الشهداء الصديقين، وإنا نشهدك يَا رب أنا عَلَى مثل مَا قتلوا عَلَيْهِ، فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، قَالَ: فأقاموا عنده يَوْمًا وليلة يصلون عَلَيْهِ ويبكون ويتضرعون، فما انفك الناس من يومهم ذَلِكَ يترحمون عَلَيْهِ وعلى