للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: لما هلك عَبْد اللَّهِ بن وال نظرنا، فإذا عبد الله بن خازم قتيل إِلَى جنبه، ونحن نرى أنه رفاعة بن شداد البجلي، فقال له رجل من بني كنانة يقال لَهُ الْوَلِيد بن غضين: أمسك رايتك، قَالَ: لا أريدها، فقلت لَهُ: إنا لِلَّهِ! مَا لك! فَقَالَ: ارجعوا بنا لعل اللَّه يجمعنا ليوم شر لَهُمْ، فوثب عَبْد اللَّهِ بن عوف بن الأحمر إِلَيْهِ، فَقَالَ: أهلكتنا، وَاللَّهِ لَئِنِ انصرفت ليركبن أكتافنا فلا نبلغ فرسخا حَتَّى نهلك من عِنْدَ آخرنا، فإن نجا منا ناج أخذه الأعراب وأهل القرى، فتقربوا إِلَيْهِم بِهِ فيقتل صبرا، أنشدك اللَّه أن تفعل، هَذِهِ الشمس قَدْ طفلت للمغيب، وهذا الليل قَدْ غشينا، فنقاتلهم عَلَى خيلنا هَذِهِ فإنا الآن ممتنعون، فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أول الليل فرمينا بِهَا، فكان ذَلِكَ الشأن حَتَّى نصبح ونسير ونحن عَلَى مهل، فيحمل الرجل منا جريحه وينتظر صاحبه، وتسير العشرة والعشرون معا، ويعرف الناس الوجه الَّذِي يأخذون، فيتبع فِيهِ بعضهم بعضا، ولو كَانَ الَّذِي ذكرت لم تقف أم عَلَى ولدها، ولم يعرف رجل وجهه، وَلا أين يسقط، وَلا أين يذهب! ولم نصبح إلا ونحن بين مقتول ومأسور فَقَالَ لَهُ رفاعة بن شداد: فإنك نعم مَا رأيت، قَالَ: ثُمَّ أقبل رفاعة عَلَى الكناني فَقَالَ لَهُ: أتمسكها أم آخذها مِنْكَ؟ فَقَالَ لَهُ الكناني: إني لا أريد مَا تريد، إني أريد لقاء ربي، واللحاق بإخواني، والخروج من الدُّنْيَا إِلَى الآخرة، وأنت تريد ورق الدُّنْيَا، وتهوى البقاء، وتكره فراق الدنيا، اما والله انى لاحب لك أن ترشد، ثُمَّ دفع إِلَيْهِ الراية، وذهب ليستقدم فَقَالَ لَهُ ابن أحمر: قاتل معنا ساعة رحمك اللَّه وَلا تلق بيدك إِلَى التهلكة، فما زال بِهِ يناشده حَتَّى احتبس عَلَيْهِ، وأخذ أهل الشام يتنادون: إن اللَّه قَدْ أهلكهم، فأقدموا عَلَيْهِم فافرغوا مِنْهُمْ قبل الليل فأخذوا يقدمون عَلَيْهِم، فيقدمون عَلَى شوكة شديدة، ويقاتلون فرسانا شجعانا ليس فِيهِمْ سقط رجل، وليسوا لَهُمْ بمضجرين فيتمكنوا مِنْهُمْ، فقاتلوهم حَتَّى العشاء قتالا شديدا، وقتل الكناني قبل المساء، وخرج عَبْد اللَّهِ بن عزيز الكندي وَمَعَهُ ابنه مُحَمَّد غلام صغير، فَقَالَ: يَا أهل الشام، هل فيكم أحد من كندة؟ فخرج إِلَيْهِ مِنْهُمْ رجال، فَقَالُوا: نعم، نحن هؤلاء،

<<  <  ج: ص:  >  >>