للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُمْ: دونكم أخوكم فابعثوا بِهِ إِلَى قومكم بالكوفة، فأنا عَبْد اللَّهِ بن عزيز الكندي، فَقَالُوا لَهُ: أنت ابن عمنا، فإنك آمن، فَقَالَ لَهُمْ: وَاللَّهِ لا أرغب عن مصارع إخواني الَّذِينَ كَانُوا للبلاد نورا، وللأرض أوتادا، وبمثلهم كَانَ اللَّه يذكر، قَالَ: فأخذ ابنه يبكي فِي أثر أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا بني، لو أن شَيْئًا كَانَ آثر عندي من طاعة ربي إذا لكنت أنت، وناشده قومه الشاميون لما رأوا من جزع ابنه وبكائه فِي أثره، وأروا الشاميون لَهُ ولابنه رقة شديدة حَتَّى جزعوا وبكوا، ثُمَّ اعتزل الجانب الَّذِي خرج إِلَيْهِ مِنْهُ قومه، فشد عَلَى صفهم عِنْدَ المساء، فقاتل حَتَّى قتل قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي فضيل بن خديج، قَالَ: حَدَّثَنِي مسلم بن زحر الخولاني، أن كُرَيْب بن زَيْد الحميري مشى إِلَيْهِم عِنْدَ المساء وَمَعَهُ راية بلقاء فِي جماعة، قلما تنقص من مائة رجل إن نقصت، وَقَدْ كَانُوا تحدثوا بِمَا يريد رفاعة أن يصنع إذا أمسى، فقام لَهُمُ الحميري وجمع إِلَيْهِ رجالا من حمير وهمدان، فَقَالَ: عباد اللَّه! روحوا إِلَى ربكم، وَاللَّهِ مَا فِي شَيْءٍ من الدُّنْيَا خلف من رضاء اللَّه والتوبة إِلَيْهِ، إنه قَدْ بلغني أن طائفة مِنْكُمْ يريدون أن يرجعوا إِلَى مَا خرجوا مِنْهُ إِلَى دنياهم، وإن هم ركنوا إِلَى دنياهم رجعوا الى خطاياهم، فاما انا فو الله لا أولي هَذَا العدو ظهري حَتَّى أرد موارد إخواني، فأجابوه وَقَالُوا: رأينا مثل رأيك ومضى برايته حَتَّى دنا من القوم، فَقَالَ ابن ذي الكلاع: وَاللَّهِ إني لأرى هَذِهِ الراية حميرية أو همدانية، فدنا مِنْهُمْ فسألهم، فأخبروه، فَقَالَ لَهُمْ: إنكم آمنون، فَقَالَ لَهُ صاحبهم: إنا قَدْ كنا آمنين فِي الدُّنْيَا، وإنما خرجنا نطلب أمان الآخرة، فقاتلوا القوم حتى قتلوا، ومشى صخير بن حُذَيْفَة بن هلال بن مالك المزني فِي ثَلاثِينَ من مزينة، فَقَالَ لَهُمْ: لا تهابوا الموت فِي اللَّه، فإنه لاقيكم، وَلا ترجعوا إِلَى الدُّنْيَا الَّتِي خرجتم منها إِلَى اللَّهِ فإنها لا تبقى لكم، وَلا تزهدوا فِيمَا رغبتم فِيهِ من ثواب اللَّه فإن مَا عِنْدَ اللَّه خير لكم، ثُمَّ مضوا فقاتلوا حَتَّى قتلوا، فلما أمسى الناس ورجع أهل الشام إِلَى معسكرهم، نظر رفاعة إِلَى كل رجل قَدْ عقر بِهِ، وإلى

<<  <  ج: ص:  >  >>