كل جريح لا يعين عَلَى نفسه، فدفعه إِلَى قومه، ثُمَّ سار بِالنَّاسِ ليلته كلها حَتَّى أصبح بالتنينير فعبر الخابور، وقطع المعابر، ثُمَّ مضى لا يمر بمعبر إلا قطعه، وأصبح الحصين بن نمير فبعث فوجدهم قَدْ ذهبوا، فلم يبعث فِي آثارهم أحدا، وسار بِالنَّاسِ فأسرع، وخلف رفاعة وراءهم أبا الجويرية العبدي فِي سبعين فارسا يسترون الناس، فإذا مروا برجل قَدْ سقط حمله، أو بمتاع قَدْ سقط قبضه حَتَّى يعرفه، فإن طلب او ابتغى بعث اليه فاعمله، فلم يزالوا كذلك حَتَّى مروا بقرقيسيا من جانب البر، فبعث إِلَيْهِم زفر من الطعام والعلف مثل مَا كَانَ بعث إِلَيْهِم فِي المرة الأولى، وأرسل إِلَيْهِم الأطباء وَقَالَ: أقيموا عندنا مَا أحببتم، فإن لكم الكرامة والمواساة، فأقاموا ثلاثا، ثُمَّ زود كل امرئ مِنْهُمْ مَا أحب من الطعام والعلف، قَالَ: وجاء سعد بن حُذَيْفَة بن الْيَمَانِ حَتَّى انتهى إِلَى هيت، فاستقبله الأعراب فأخبروه بِمَا لقي الناس، فانصرف، فتلقى المثنى بن مخربة العبدي بصندوداء، فأخبره، فأقاموا حَتَّى جاءهم الخبر: أن رفاعة قَدْ أظلكم، فخرجوا حين دنا من القرية، فاستقبلوه فسلم الناس بعضهم عَلَى بعض، وبكى بعضهم إِلَى بعض، وتناعوا إخوانهم فأقاموا بِهَا يَوْمًا وليلة، فانصرف أهل المدائن إِلَى المدائن، وأهل الْبَصْرَة إِلَى الْبَصْرَة، وأقبل أهل الْكُوفَة إِلَى الْكُوفَةِ، فإذا المختار محبوس.
قَالَ هِشَام: قَالَ أَبُو مخنف، عن عبد الرَّحْمَن بن يَزِيدَ بن جابر، عن أدهم بن محرز الباهلي، أنه أتى عَبْد الْمَلِكِ بن مَرْوَان ببشارة الفتح، قَالَ:
فصعد الْمِنْبَر، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإن اللَّه قَدْ أهلك من رءوس أهل العراق ملقح فتنة، ورأس ضلالة، سُلَيْمَان بن صرد، أَلا وإن السيوف تركت رأس المسيب بن نجبة خذاريف، أَلا وَقَدْ قتل اللَّه من رءوسهم رأسين عظيمين ضالين مضلين: عَبْد اللَّهِ بن سَعْد أخا الأزد، وعبد اللَّه بن وال أخا بكر بن وائل، فلم يبق بعد هَؤُلاءِ أحد عنده دفاع وَلا امتناع.
قَالَ هِشَام، عن أبي مخنف: وحدثت أن المختار مكث نحوا من خمس