للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس صنفين، أما من كان له فيك هوى فخرج إليك، وأما من كان يرى رأي المختار، فلم يكن ليدعه، ولا ليؤثر أحدا عليه، فلم أبرح بيتي حتى قدمت، قال: صدقت، وبعث عباد بن الحصين إلى جبانة كندة، فكل هؤلاء كان يقطع عن المختار وأصحابه الماء والمادة، وهم في قصر المختار، وبعث زحر بن قيس إلى جبانة مراد، وبعث عبيد الله بن الحر إلى جبانة الصائديين.

قَالَ أَبُو مخنف: وَحَدَّثَنِي فضيل بن خديج، قال: لقد رأيت عبيد الله ابن الحر، وإنه ليطارد أصحاب خيل المختار، يقاتلهم في جبانة الصائديين ولربما رأيت خيلهم تطرد خيله، وإنه لوراء خيله يحميها حتى ينتهي إلى دار عكرمة، ثم يكر راجعا هو وخيله، فيطردهم حتى يلحقهم بجبانة الصائديين، ولربما رأيت خيل عبيد الله قد أخذت السقاء والسقاءين فيضربون، وإنما كانوا يأتونهم بالماء إنهم كانوا يعطونهم بالراوية الدينار والدينارين لما أصابهم من الجهد وكان المختار ربما خرج هو وأصحابه فقاتلوا قتالا ضعيفا، ولا نكاية لهم، وكانت لا تخرج له خيل إلا رميت بالحجارة من فوق البيوت، ويصب عليهم الماء القذر.

واجترأ عليهم الناس، فكانت معايشهم أفضلها من نسائهم، فكانت المرأة تخرج من منزلها معها الطعام واللطف والماء، قد التحفت عليه، فتخرج كأنما تريد المسجد الأعظم للصلاة، وكأنها تأتي أهلها وتزور ذات قرابة لها، فإذا دنت من القصر فتح لها، فدخلت على زوجها وحميمها بطعامه وشرابه ولطفه وإن ذلك بلغ المصعب وأصحابه، فقال له المهلب- وكان مجربا: اجعل عليهم دروبا حتى تمنع من يأتيهم من أهليهم وأبنائهم، وتدعهم في حصنهم حتى يموتوا فيه وكان القوم إذا اشتد عليهم العطش في قصرهم استقوا من ماء البئر ثم أمر لهم المختار بعسل فصب فيه ليغير طعمه فيشربوا منه، فكان ذلك أيضا مما يروي أكثرهم ثم إن مصعبا أمر أصحابه فاقتربوا من القصر، فجاء عباد بن الحصين الحبطي حتى نزل عند مسجد جهينة، وكان ربما تقدم حتى ينتهي إلى مسجد

<<  <  ج: ص:  >  >>