وجاءت الأزارقة حتى دنوا من مدينة الأهواز ومن معسكر القوم، وقال المهلب لخالد بن عبد الله: انى ارى هاهنا سفنا كثيره، فضمها إليك، فو الله ما أظن القوم إلا محرقيها فما لبث إلا ساعة حتى ارتفعت خيل من خيلهم إليها فحرقتها وبعث خالد بن عبد الله على ميمنته المهلب، وعلى ميسرته داود بن قحذم من بني قيس بن ثعلبة، ومر المهلب على عبد الرحمن بن مُحَمَّد ولم يخندق، فقال: يا بن أخي، ما يمنعك من الخندق! فقال: والله لهم أهون علي من ضرطة الجمل، قال: فلا يهونوا عليك يا بن أخي، فإنهم سباع العرب، لا أبرح أو تضرب عليك خندقا، ففعل وبلغ الخوارج قول عبد الرحمن بن مُحَمَّد لهم: أهون علي من ضرطة الجمل، فقال شاعرهم:
يا طالب الحق لا تستهو بالأمل ... فإن من دون ما تهوى مدى الأجل
واعمل لربك واسأله مثوبته ... فإن تقواه فاعلم أفضل العمل
فأقاموا نحوا من عشرين ليلة ثم إن خالدا زحف إليهم بالناس، فرأوا أمرا هالهم من عدد الناس وعدتهم، فأخذوا ينحازون، واجترأ عليهم الناس، فكرت عليهم الخيل، وزحف إليهم فانصرفوا كأنهم على حامية وهم مولون لا يرون لهم طاقة بقتال جماعة الناس، واتبعهم خالد بن عبد الله داود بن قحذم في جيش من أهل البصرة، وانصرف خالد إلى البصرة، وانصرف عبد الرحمن بن مُحَمَّد إلى الري وأقام المهلب بالأهواز، فكتب خالد بن عبد الله إلى عبد الملك: أما بعد، فإني أخبر أمير المؤمنين أصلحه الله أني خرجت إلى الأزارقة الذين مرقوا من الدين، وخرجوا من ولاية المسلمين، فالتقينا بمدينة الأهواز