خيل لهم أخرى ورجالة، فقال: احمل عليهم يا بن ذؤاب، فحمل عليهم حتى أمعنوا، وثبت لا يبرح منبره، ودخل أهل الشام العسكر، فكبروا، فصعد إليه عبد الله بن يزيد بن المغفل الأزدي- وكانت مليكه ابنة أخيه امرأة عبد الرحمن- فقال: انزل، فإني أخاف عليك إن لم تنزل أن تؤسر، ولعلك إن انصرفت أن تجمع لهم جمعا يهلكهم الله به بعد اليوم فنزل وخلى أهل العراق العسكر، وانهزموا لا يلوون على شيء، ومضى عبد الرحمن بن مُحَمَّد مع ابن جعدة بن هبيرة ومعه أناس من أهل بيته، حتى إذا حاذوا قرية بني جعدة بالفلوجة دعوا بمعبر، فعبروا فيه، فانتهى إليهم بسطام بن مصقلة، فقال: هل في السفينة عبد الرحمن بن مُحَمَّد؟ فلم يكلموه، وظن أنه فيهم، فقال:
لا وألت نفس عليها تحاذر.
ضرم قيس علي البلاد ... حتى إذا اضطرمت أجذما
ثم جاء حتى انتهى إلى بيته وعليه السلاح، وهو على فرسه لم ينزل عنه، فخرجت إليه ابنته فالتزمها، وخرج إليه أهله يبكون، فأوصاهم بوصية وقال:
لا تبكوا، أرأيتم إن لم أترككم، كم عسيت أن أبقى معكم حتى أموت! وإن أنا مت فإن الذي رزقكم الآن حي لا يموت، وسيرزقكم بعد وفاتي كما رزقكم في حياتي، ثم ودع أهله وخرج من الكوفة.
قال أبو مخنف: فحدثني الكلبي مُحَمَّد بن السائب، أنهم لما هزموا ارتفاع النهار حين امتد ومتع، قال: جئت أشتد ومعي الرمح والسيف والترس حتى بلغت أهلي من يومي، ما ألقيت شيئا من سلاحي، فقال الحجاج:
اتركوهم فليتبددوا ولا تتبعوهم، ونادى المنادي: من رجع فهو آمن ورجع مُحَمَّد بن مروان إلى الموصل، وعبد الله بن عبد الملك إلى الشام بعد الوقعة، وخليا الحجاج والعراق، وجاء الحجاج حتى دخل الكوفه، واجلس مصقله ابن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه، وكان خطيبا، فقال: اشتم كل