امرئ بما فيه ممن كنا أحسنا إليه، فاشتمه بقلة شكره ولؤم عهده، ومن علمت منه عيبا فعبه بما فيه، وصغر إليه نفسه وكان لا يبايعه أحد إلا قال له:
أتشهد أنك قد كفرت؟ فإذا قال: نعم، بايعه وإلا قتله، فجاء إليه رجل من خثعم قد كان معتزلا للناس جميعا من وراء الفرات، فسأله عن حاله فقال: ما زلت معتزلا وراء هذه النطفة منتظرا أمر الناس حتى ظهرت، فأتيتك لأبايعك مع الناس، قال: أمتربص! أتشهد أنك كافر؟ قال:
بئس الرجل أنا إن كنت عبدت الله ثمانين سنة ثم أشهد على نفسي بالكفر، قال: إذا اقتلك، قال: وان قتلتني فو الله ما بقي من عمري إلا ظمء حمار، وانى لانتظر الموت صباح مساء قال: اضربوا عنقه فضربت عنقه، فزعموا أنه لم يبق حوله قرشي ولا شامي ولا أحد من الحزبين إلا رحمه ورثى له من القتل.
ودعا بكميل بن زياد النخعي فقال له: أنت المقتص من عثمان أمير المؤمنين؟ قد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا، فقال: والله ما أدري على أينا أنت أشد غضبا؟ عليه حين أقاد من نفسه، أم علي حين عفوت عنه؟ ثم قال: أيها الرجل من ثقيف، لا تصرف علي أنيابك، ولا تهدم علي تهدم الكثيب، ولا تكثر كشران الذئب، والله ما بقي من عمري إلا ظمء الحمار، فإنه يشرب غدوة ويموت عشية، ويشرب عشية ويموت غدوة، اقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله، وبعد القتل الحساب قال الحجاج: فإن الحجة عليك، قال: ذلك إن كان القضاء إليك، قال: بلى، كنت فيمن قتل عثمان، وخلعت أمير المؤمنين، اقتلوه فقدم فقتل، قتله أبو الجهم بن كنانة الكلبي من بني عامر بن عوف، ابن عم منصور بن جمهور.
وأتي بآخر من بعده، فقال الحجاج: إني أرى رجلا ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر، فقال: أخادعي عن نفسي! أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد، فضحك الحجاج وخلى سبيله.
وأقام بالكوفة شهرا، وعزل أهل الشام عن بيوت اهل الكوفه.