أجمعوا أن يبيتوا العسكر، وبلغ قتيبة فانتخب أهل النجدة والبأس ووجوه الناس، فكان شعبة بن ظهير وزهير بن حيان فيمن انتخب، فكانوا أربعمائة، فقال لهم: إن عدوكم قد رأوا بلاء الله عندكم، وتأييده إياكم في مزاحفتكم ومكاثرتكم، كل ذلك يفلجكم الله عليهم، فأجمعوا على أن يحتالوا غرتكم وبياتكم، واختاروا دهاقينهم وملوكهم، وأنتم دهاقين العرب وفرسانهم، وقد فضلكم الله بدينه، فابلوا الله بلاء حسنا تستوجبون به الثواب، مع الذب عن أحسابكم قال: ووضع قتيبة عيونا على العدو حتى إذا قربوا منه قدر ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين انتخبهم، فكلمهم وحضهم، واستعمل عليهم صالح بن مسلم، فخرجوا من العسكر عند المغرب، فساروا، فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم، ففرق صالح خيله، وأكمن كمينا عن يمينه، وكمينا عن يساره، حتى إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه، جاء العدو باجتماع وإسراع وصمت، وصالح واقف في خيله، فلما رأوه شدوا عليه، حتى إذا اختلفت الرماح شد الكمينان عن يمين وعن شمال، فلم نسمع إلا الاعتزاء، فلم نر قوما كانوا أشد منهم.
قال: وقال رجل من البراجم: حدثني زهير أو شعبة قال: إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت تحت الليل قتيبة، وقد ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة، فقلت: كيف ترى بأبي أنت وأمي! قال: اسكت دق الله فاك! قال: فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا الشريد، وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز الرءوس حتى أصبحنا، ثم أقبلنا إلى العسكر، فلم أر جماعة قط جاءوا بمثل ما جئنا به، ما منا رجل إلا معلق رأسا معروفا باسمه، وأسير في وثاقه.
قال: وجئنا قتيبة بالرءوس، فقال: جزاكم الله عن الدين والأعراض خيرا وأكرمني قتيبة من غير أن يكون باح لي بشيء، وقرن بي في الصلة والاكرام حيان العدوى وحليسا الشيباني، فظننت أنه رأى منهما مثل الذي راى