قال: ومرض الوليد فرهقته غشية، فمكث عامة يومه عندهم ميتا، فبكي عليه، وخرجت البرد بموته، فقدم رسول على الحجاج، فاسترجع، ثم أمر بحبل فشد في يديه، ثم أوثق إلى أسطوانة، وقال: اللهم لا تسلط علي من لا رحمة له، فقد طالما سألتك أن تجعل منيتي قبل منيته! وجعل يدعو، فإنه لكذلك إذ قدم عليه بريد بإفاقته.
قال علي: ولما أفاق الوليد قال: ما أحد أسر بعافية أمير المؤمنين من الحجاج، فقال عمر بن عبد العزيز: ما أعظم نعمة الله علينا بعافيتك، وكأني بكتاب الحجاج قد أتاك يذكر فيه أنه لما بلغه برؤك خر الله ساجدا، وأعتق كل مملوك له، وبعث بقوارير من أنبج الهند.
فما لبث إلا أياما حتى جاء الكتاب بما قال.
قال: ثم لم يمت الحجاج حتى ثقل على الوليد، فقال خادم للوليد:
إني لأوضئ الوليد يوما للغداء، فمد يده، فجعلت أصب عليه الماء، وهو ساه والماء يسيل ولا أستطيع أن أتكلم، ثم نضح الماء في وجهي، وقال:
أناعس أنت! ورفع رأسه إلي وقال: ما تدري ما جاء الليلة؟ قلت:
لا، قال: ويحك! مات الحجاج! فاسترجعت قال: اسكت ما يسر مولاك أن في يده تفاحة يشمها.
قال علي: وكان الوليد صاحب بناء واتخاذ للمصانع والضياع، وكان الناس يلتقون في زمانه، فإنما يسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع فولي سُلَيْمَان، فكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يسال بعضهم بعضا عن التزويج والجوارى فلما ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم؟ ومتى ختمت؟ وما تصوم من الشهر؟ ورثى جرير الوليد فقال:
يا عين جودي بدمع هاجه الذكر فما لدمعك بعد اليوم مدخر