الساقة، فكان يقاتل من ورائه حتى انتهى إلى الماء، وقد كانوا عطشوا فشربوا، وانصرف عنهم العدو، ولم يظفروا منهم بشيء، فقال سفيان ابن صفوان الخثعمي:
لولا ابن جارية الأغر جبينه ... لسقيت كأسا مرة المتجرع
وحماك في فرسانه وخيوله ... حتى وردت الماء غير متعتع
ثم إنه ألح عليها وأنزل الجنود من كل جانب حولها، وقطع عنهم المواد، فلما جهدوا، وعجزوا عن قتال المسلمين، واشتد عليهم الحصار والبلاء، بعث صول دهقان دهستان إلى يزيد: إني أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي، وأدفع إليك المدينة وما فيها وأهلها.
فصالحه، وقبل منه، ووفى له، ودخل المدينة فأخذ ما كان فيها من الأموال والكنوز ومن السبي شيئا لا يحصى، وقتل أربعة عشر ألف تركي صبرا، وكتب بذلك إلى سُلَيْمَان بن عبد الملك.
ثم خرج حتى أتى جرجان، وقد كانوا يصالحون أهل الكوفة على مائه الف، ومائتي الف أحيانا، وثلاثمائة ألف، وصالحوهم عليها، فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح وهابوه وزادوه، واستخلف عليهم رجلا من الأزد يقال له: أسد بن عبد الله، ودخل يزيد إلى الإصبهبذ في طبرستان فكان معه الفعلة يقطعون الشجر، ويصلحون الطرق، حتى انتهوا إليه، فنزل به فحصره وغلب على أرضه، وأخذ الإصبهبذ يعرض على يزيد الصلح ويريده على ما كان يؤخذ منه، فيأبى رجاء افتتاحها فبعث ذات يوم أخاه أبا عيينة في أهل المصرين، فأصعد في الجبل إليهم، وقد بعث الإصبهبذ إلى الديلم، فاستجاش بهم، فاقتتلوا، فحازهم المسلمون ساعة وكشفوهم، وخرج رأس الديلم يسأل المبارزة، فخرج إليه ابن أبي سبرة فقتله، فكانت هزيمتهم حتى انتهى المسلمون إلى فم الشعب،