قال أبو مخنف: فحدثني عبد الحميد البصري، أن الحسن البصري كان يقول في تلك الأيام:
أيها الناس، الزموا رحالكم، وكفوا أيديكم، واتقوا الله مولاكم، ولا يقتل بعضكم بعضا على دنيا زائلة، وطمع فيها يسير ليس لأهلها بباق، وليس الله عنهم فيما اكتسبوا براض، إنه لم تكن فتنة إلا كان أكثر أهلها الخطباء والشعراء والسفهاء وأهل التيه والخيلاء، وليس يسلم منها إلا المجهول الخفي والمعروف التقي، فمن كان منكم خفيا فليلزم الحق، وليحبس نفسه عما يتنازع الناس فيه من الدنيا، فكفاه والله بمعرفة الله إياه بالخير شرفا، وكفى له بها من الدنيا خلفا، ومن كان منكم معروفا شريفا، فترك ما يتنافس فيه نظراؤه من الدنيا إرادة الله بذلك، فواها لهذا! ما أسعده وأرشده وأعظم أجره وأهدى سبيله! فهذا غدا- يعني يوم القيامة- القرير عينا، الكريم عند الله مآبا.
فلما بلغ ذلك مروان بن المهلب قام خطيبا كما يقوم، فأمر الناس بالجد والاحتشاد، ثم قال لهم:
لقد بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي- ولم يسمه- يثبط الناس، والله لو أن جاره نزع من خص داره قصبة لظل يرعف أنفه، أينكر علينا وعلى اهل مصرنا ان نطلب حقنا، وأن ننكر مظلمتنا! أما والله ليكفن عن ذكرنا وعن جمعه إلينا سقاط الأبلة وعلوج فرات البصرة- قوما ليسوا من أنفسنا، ولا ممن جرت عليه النعمة من أحد منا- أو لأنحين عليه مبردا خشنا.
فلما بلغ ذلك الحسن قال: والله ما أكره أن يكرمني الله بهوانه فقال ناس من أصحابه: لو أرادك ثم شئت لمنعناك، فقال لهم: فقد خالفتكم إذا إلى ما نهيتكم عنه! آمركم ألا يقتل بعضكم بعضا مع غيري، وأدعوكم إلى أن يقتل بعضكم بعضا دوني! فبلغ ذلك مروان بن المهلب، فاشتد عليهم وأخافهم وطلبهم حتى تفرقوا ولم يدع الحسن كلامه ذلك، وكف عنه مروان بن المهلب