فقطب وكره ما قلت له وقال: انصرف إلى منزلك، فانصرفت فأقمت يومين، وأنا لا أشك في تركه الصلح، فدعاني فحملت كتاب الصلح مع غلامي، وقلت له: إن أتاك رسولي يطلب الكتاب فانصرف إلى المنزل، ولا تظهر الكتاب، وقل لي: إني خلفت الكتاب في المنزل فدخلت عليه، فسألني عن الكتاب، فقلت: خلفته في المنزل فقال: ابعث من يجيئك به، فقبل الصلح، وأحسن جائزتي، وسرح معي أمه، وكانت صاحبة أمره قَالَ: فقدمت على نصر، فلما نظر إلي قَالَ: ما مثلك إلا كما قَالَ الأول: فأرسل حكيما ولا توصه.
فأخبرته، فقال: وفقت، وأذن لأمه عليه، وجعل يكلمها والترجمان يعبر عنها، فدخل تميم بْن نصر، فقال للترجمان: قل لها: تعرفين هذا؟
فقالت: لا، فقال: هذا تميم بْن نصر، فقالت: والله ما أرى له حلاوة الصغير، ولا نبل الكبير.
قَالَ أبو إسحاق بْن ربيعة: قالت لنصر: كل ملك لا يكون عنده ستة أشياء فليس بملك: وزير يباثه بكتاب نفسه وما شجر في صدره من الكلام، ويشاوره ويثق بنصيحته، وطباخ إذا لم يشته الطعام اتخذ له ما يشتهي، وزوجة إذا دخل عليها مغتما فنظر إلى وجهها زال غمه، وحصن إذا فزع أو جهد فزع إليه فأنجاه- تعني البرذون- وسيف إذا قارع الأقران لم يخش خيانته، وذخيرة إذا حملها فأين وقع بها.
من الأرض عاش بها ثم دخل تميم بن نصر في الازفله وجماعة، فقالت: من هذا؟ قالوا:
هذا فتى خراسان، هذا تميم بْن نصر، قالت: ما له نبل الكبار ولا حلاوة الصغار.
ثم دخل الحجاج بْن قتيبة فقالت: من هذا؟ فقالوا: الحجاج بْن قتيبة، قَالَ: فحيته، وسألت عنه، وقالت: يا معشر العرب، ما لكم وفاء، لا يصلح بعضكم لبعض قتيبة الذي وطن لكم ما أرى، وهذا ابنه تقعده دونك! فحقك أن تجلسه هذا المجلس، وتجلس أنت مجلسه