وبلغ معاوية بْن عمرو بْن عتبة خوض الناس، فأتى الوليد فقال:
يا أمير المؤمنين، إنك تبسط لساني بالإنس بك، وأكفه بالهيبة لك، وانا اسمع مالا تسمع وأخاف عليك ما أراك تأمن، أفأتكلم ناصحا، أو أسكت مطيعا؟ قَالَ:
كل مقبول منك، ولله فينا علم غيب نحن صائرون إليه، ولو علم بنو مروان أنهم إنما يوقدون على رضف يلقونه في أجوافهم ما فعلوا، ونعود ونسمع منك.
وبلغ مروان بْن محمد بأرمينية أن يزيد يؤلب الناس، ويدعو الى خلع الوليد، فكتب إلى سعيد بْن عبد الملك بْن مروان يأمره أن ينهى الناس ويكفهم- وكان سعيد يتأله إن الله جعل لكل أهل بيت أركانا يعتمدون عليها، ويتقون بها المخاوف، وأنت بحمد ربك ركن من أركان أهل بيتك، وقد بلغني أن قوما من سفهاء أهل بيتك قد استنوا أمرا- إن تمت لهم رويتهم فيه على ما أجمعوا عليه من نقض بيعتهم- استفتحوا بابا لن يغلقه الله عنهم حتى تسفك دماء كثيرة منهم، وأنا مشتغل بأعظم ثغور المسلمين فرجا، ولو جمعتني وإياهم لرممت فساد أمرهم بيدي ولساني، ولخفت الله في ترك ذلك، لعلمي ما في عواقب الفرقة من فساد الدين والدنيا، وأنه لن ينتقل سلطان قوم قط الا بتشتيت كلمتهم، وان كلمتهم إذا تشتت طمع فيهم عدوهم وأنت أقرب إليهم مني، فاحتل لعلم ذلك واظهار المتابعة لهم، فإذا صرت إلى علم ذلك فتهددهم بإظهار أسرارهم، وخذهم بلسانك، وخوفهم العواقب، لعل الله أن يرد إليهم ما قد عزب عنهم من دينهم وعقولهم، فإن فيما سعوا فيه تعير النعم وذهاب الدولة، فعاجل الأمر وحبل الإلفة مشدود، والناس سكون، والثغور محفوظة، فإن للجماعة دوله من الفرقة وللسعه دافعا من الفقر، وللعدد منتقصا، ودول الليالي مختلفة على أهل الدنيا، والتقلب مع الزيادة والنقصان، وقد امتدت بنا- أهل البيت- متتابعات من النعم، قد يعيبها جميع الأمم وأعداء النعم وأهل الحسد لأهلها، وبحسد إبليس خرج آدم من الجنة وقد أمل القوم في الفتنة أملا، لعل أنفسهم تهلك دون ما أملوا، ولكل أهل بيت مشائيم يغير الله النعمة بهم-