كلبا، ويدفع عشرة آلاف دينار ودية كلثوم بْن عمير وهانئ بْن بشر، فأقبلا إلى يزيد، فلقيه عامل لسليمان على نوبة من نوائب الحرس، فأخذ بلحيته فهزها، ونتف بعضها- وكان من أعظم الناس لحية وأصغرهم قامة- فأدخلاه على يزيد، فقبض على لحية نفسه- وإنها حينئذ لتجوز سرته- وجعل يقول: نتف والله يا أمير المؤمنين لحيتي، فما بقي فيها شعرة فأمر به يزيد فحبس في الخضراء، فدخل عليه محمد بْن راشد، فقال له: أما تخاف أن يطلع عليك بعض من قد وترت، فيلقي عليك حجرا! فقال: لا والله ما فطنت إلى هذا، فنشدتك الله إلا كلمت أمير المؤمنين في تحويلي إلى مجلس غير هذا، وإن كان أضيق منه! قَالَ: فأخبرت يزيد، فقال:
ما غاب عنك من حمقه أكثر، وما حبسته إلا لاوجهه الى العراق، فيقام للناس، وتؤخذ المظالم من ماله ودمه.
ولما قتل يزيد بْن الوليد الوليد بْن يزيد، ووجه منصور بْن جمهور إلى العراق كتب يزيد بْن الوليد الى اهل العراق كتابا يذكر فيه مساوئ الوليد، فكان مما كتب به- فيما حدثني أحمد بْن زهير عن علي بْن محمد: أن الله اختار الإسلام دينا وارتضاه وطهره، وافترض فيه حقوقا أمر بها، ونهى عن أمور حرمها، ابتلاء لعباده في طاعتهم ومعصيتهم، فأكمل فيه كل منقبة خير وجسيم فضل، ثم تولاه، فكان له حافظا ولأهله المقيمين حدوده وليا، يحوطهم ويعرفهم بفضل الإسلام، فلم يكرم الله بالخلافة أحدا يأخذ بأمر الله وينتهي إليه فيناوئه أحد بميثاق او يحاول صرف ما حباه الله به، أو ينكث ناكث، الا كان كيده الاوهن، ومكره الابور، حتى يتم الله ما أعطاه، ويدخر له أجره ومثوبته، ويجعل عدوه الأضل سبيلا، الأخسر عملا.
فتناسخت خلفاء الله ولاة دينه، قاضين فيه بحكمه، متبعين فيه لكتابه، فكانت لهم بذلك من ولايته ونصرته ما تمت به النعم عليهم، قد رضي الله بهم لها حتى توفي هشام