للناس علا الجبة بالسواد، وقعد على فراشه، فإذا بطن عاد إلى هيئته قَالَ:
فأتته ريسانة في تلك الأيام، وقد أهديت له امرأتان من المدينة، إحداهما فاطمة بنت محمد بْن عيسى بْن طلحة بْن عبيد الله والأخرى أمة الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بْن أسيد بْن أبي العيص، فلم ينظر إليهما، فقالت:
يا أمير المؤمنين، إن هاتين المرأتين قد خبثت أنفسهما، وساءت ظنونهما لما ظهر من جفائك لهما، فنهرها، وقال: ليست هذه الأيام من أيام النساء، لا سبيل لي إليهما حتى أعلم: أرأس إبراهيم لي أم رأسي لإبراهيم! وذكر أن محمدا وجعفر ابني سليمان كتبا إلى أبي جعفر يعلمانه بعد خروجهما من البصرة الخبر في قطعة جراب، ولم يقدرا على شيء يكتبان فيه غير ذلك، فلما وصل الكتاب إليه، فرأى قطعة جراب بيد الرسول، قَالَ:
خلع والله أهل البصرة مع إبراهيم، ثم قرأ الكتاب، ودعا بعبد الرحمن الختلي وبأبي يعقوب ختن مالك بْن الهيثم، فوجههما في خيل كثيفة إليهما، وأمرهما أن يحبساهما حيث لقياهما، وأن يعسكرا معهما، ويسمعا ويطيعا لهما، وكتب إليهما يعجزهما ويضعفهما ويوبخهما على طمع إبراهيم في الخروج الى مصر هما فيه، واستتار خبره عنهما، حتى ظهر وكتب في آخر كتابه:
أبلغ بني هاشم عني مغلغلة ... فاستيقظوا إن هذا فعل نوام
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي مربض المستنفر الحامي
وذكر عن جعفر بْن ربيعة العامري عن الحجاج بْن قتيبة بْن مسلم، قَالَ:
دخلت على المنصور أيام حرب محمد وإبراهيم، وقد جاءه فتق البصرة والأهواز وفارس وواسط والمدائن والسواد، وهو ينكت الأرض بمخصرته ويتمثل:
ونصبت نفسي للرماح درية ... إن الرئيس لمثل ذاك فعول
قَالَ: فقلت: يا امير المؤمنين، ادام أعزازك ونصرك على عدوك! أنت كما قَالَ الأعشى: