فقال: يا حجاج، إن إبراهيم قد عرف وعورة جانبي وصعوبة ناحيتي، وخشونة قرني، وإنما جرأه على المسير إلي من البصرة اجتماع هذه الكور المطلة على عسكر أمير المؤمنين وأهل السواد معه على الخلاف والمعصية، وقد رميت كل كوره بحجرها وكل ناحية بسهمها، ووجهت إليهم الشهم النجد الميمون المظفر عيسى بْن موسى، في كثرة من العدد والعدة، واستعنت بالله عليه، واستكفيته إياه، فإنه لا حول ولا قوة لأمير المؤمنين إلا به.
قَالَ جعفر بْن ربيعة: قَالَ الحجاج بْن قتيبة: لقد دخلت على أمير المؤمنين المنصور في ذلك اليوم مسلما، وما أظنه يقدر على رد السلام لتتابع الفتوق والخروق عليه والعساكر المحيطة به ولمائه ألف سيف كامنه له بالكوفة بإزاء عسكره ينتظرون به صيحة واحدة فيثبون، فوجدته صقرا أحوزيا مشمرا، قد قام إلى ما نزل به من النوائب يعركها ويمرسها، فقام بها ولم تقعد به نفسه، وإنه لكما قَالَ الأول:
نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والإقداما
وصيرته ملكا هماما
وذكر أبو عبيدة أنه كان عند يونس الجرمي، وقد وجه محمد بْن عبد الله أخاه لحرب أبي جعفر، فقال يونس: قدم هذا يريد أن يزيل ملكا، فألهته ابنة عمر بْن سلمة عما حاوله، ولقد اهديت التيميه إلى أبي جعفر في تلك الأيام، فتركها بمزجر الكلب، فما نظر إليها حتى انقضى أمر إبراهيم.
وكان إبراهيم تزوج بعد مقدمه البصرة بهكنة بنت عمر بْن سلمة، فكانت تأتيه في مصبغاتها وألوان ثيابها