في وقت انصرافي، فقال لي: قد بلغني أن أبي قد عزم أن يبايع لجعفر أخي، وأعطي الله عهدا لئن فعل لأقتلنه، فمضيت من فوري إلى أمير المؤمنين، فقلت: هذا أمر لا يؤخر، فقال الحاجب: الساعة خرجت! قلت:
أمر حدث، فأذن لي، فدخلت إليه، فقال لي: هيه يا عمارة! ما جاء بك؟
قلت: أمر حدث يا أمير المؤمنين أريد أن أذكره، قَالَ: فأنا أخبرك به قبل أن تخبرني، جاءك المهدي فقال: كيت وكيت، قلت: والله يا أمير المؤمنين لكأنك حاضر ثالثنا، قَالَ: قل له: نحن أشفق عليه من أن نعرضه لك.
وذكر عن أحمد بْن يوسف بْن القاسم، قَالَ: سمعت إبراهيم بْن صالح، يقول: كنا في مجلس ننتظر الإذن فيه على المنصور، فتذاكرنا الحجاج، فمنا من حمده ومنا من ذمه، فكان ممن حمده معن بْن زائدة، وممن ذمه الحسن بْن زيد، ثم أذن لنا فدخلنا على المنصور، فانبرى الحسن بْن زيد، فقال: يا أمير المؤمنين، ما كنت أحسبني أبقى حتى يذكر الحجاج في دارك وعلى بساطك، فيثنى عليه فقال أبو جعفر: وما استنكرت من ذلك! رجل استكفاه قوم فكفاهم، والله لوددت أني وجدت مثل الحجاج حتى أستكفيه أمري، وأنزله أحد الحرمين قَالَ: فقال له معن: يا أمير المؤمنين، إن لك مثل الحجاج عدة لو استكفيتهم كفوك، قَالَ: ومن هم؟ كأنك تريد نفسك! قَالَ: وإن أردتها فلم أبعد من ذلك، قَالَ: كلا لست كذاك، إن الحجاج ائتمنه قوم فأدى إليهم الأمانة، وإنا ائتمناك فخنتنا! ذكر الهيثم بْن عدي، عن أبي بكر الهذلي، قَالَ: سرت مع أمير المؤمنين المنصور إلى مكة، وسايرته يوما، فعرض لنا رجل على ناقة حمراء تذهب في الأرض، وعليه جبة خز، وعمامة عدنية، وفي يده سوط يكاد يمس الأرض، سري الهيئة، فلما رآه أمرني فدعوته، فجاء فسأله عن نسبه وبلاده وبادية قومه وعن ولاة الصدقة، فأحسن الجواب، فأعجبه ما راى منه، فقال: انشدنى، فانشده شعرا لاوس بْن حجر وغيره من الشعراء من بني عمرو بْن تميم، وحدثه حتى أتى على شعر لطريف بْن تميم العنبري، وهو قوله: