قَالَ: حدثني أبي، قَالَ: جلس موسى الهادي بعد ما ملك في أول خلافته جلوسا خاصا، ودعا بإبراهيم بْن جعفر بْن أبي جعفر وإبراهيم بْن سلم بْن قتيبة والحراني، فجلسوا عن يساره، ومعهم خادم له أسود يقال له أسلم، ويكنى أبا سليمان، وكان يثق به ويقدمه، فبينا هو كذلك، إذ دخل صالح صاحب المصلى، فقال: هارون بْن المهدي، فقال: ائذن له، فدخل فسلم عليه، وقبل يديه، وجلس عن يمينه بعيدا من ناحية، فأطرق موسى ينظر إليه، وأدمن ذلك، ثم التفت إليه، فقال: يا هارون، كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا، وتؤمل ما أنت منه بعيد، ودون ذلك خرط القتاد، تؤمل الخلافة! قَالَ: فبرك هارون على ركبتيه، وقال: يا موسى، إنك إن تجبرت وضعت، وإن تواضعت رفعت، وإن ظلمت ختلت، وإني لأرجو أن يفضي الأمر إلي، فأنصف من ظلمت، وأصل من قطعت، وأصير أولادك أعلى من أولادي، وأزوجهم بناتي، وأبلغ ما يجب من حق الإمام المهدي قَالَ: فقال له موسى: ذلك الظن بك يا أبا جعفر، ادن مني، فدنا منه، فقبل يديه، ثم ذهب يعود إلى مجلسه، فقال له: لا والشيخ الجليل، والملك النبيل- أعني أباك المنصور- لا جلست إلا معي، وأجلسه في صدر المجلس معه، ثم قَالَ: يا حراني، احمل الى أخي الف ألف دينار، وإذا افتتح الخراج فاحمل إليه النصف منه، واعرض عليه ما في الخزائن من مالنا، وما أخذ من أهل بيت اللعنة، فيأخذ جميع ما أراد قَالَ:
ففعل ذلك ولما قام قَالَ لصالح: أدن دابته إلى البساط قَالَ عمرو الرومي:
وكان هارون يأنس بي، فقمت إليه فقلت: يا سيدي، ما الرؤيا التي قَالَ لك أمير المؤمنين؟ قَالَ: قَالَ المهدي: أريت في منامي كأني دفعت إلى موسى قضيبا وإلى هارون قضيبا، فأورق من قضيب موسى أعلاه قليلا، فأما هارون فأروق قضيبه من أوله إلى آخره فدعا المهدي الحكم بْن موسى الضمري- وكان يكنى أبا سفيان- فقال له: عبر هذه الرؤيا، فقال: يملكان جميعا، فأما موسى فتقل أيامه، وأما هارون فيبلغ مدى ما عاش خليفة، وتكون أيامه