وأنه انصرف من مكة، فوافى الحيرة في المحرم من سنة سبع وثمانين ومائة عند انصرافه من الحج، فأقام في قصر عون العبادي أياما، ثم شخص في السفن حتى نزل العمر الذي بناحية الأنبار، فلما كان ليلة السبت لانسلاخ المحرم، أرسل مسرورا الخادم ومعه حماد بْن سالم أبو عصمة في جماعة من الجند، فأطافوا بجعفر بْن يحيى ليلا، ودخل عليه مسرور وعنده ابن بختيشوع المتطبب وأبو زكار الأعمى المغني الكلوذاني، وهو في لهوه، فأخرجه إخراجا عنيفا يقوده، حتى أتى به المنزل الذي فيه الرشيد، فحبسه وقيده بقيد حمار، وأخبر الرشيد بأخذه إياه ومجيئه به، فأمر بضرب عنقه، ففعل ذلك.
وذكر عن علي بْن أبي سعيد أن مسرورا الخادم، حدثه قَالَ: أرسلني الرشيد لآتيه بجعفر بْن يحيى لما أراد قتله، فأتيته وعنده أبو زكار الأعمى المغني وهو يغنيه:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
قَالَ: فقلت له: يا أبا الفضل، الذي جئت له من ذلك قد والله طرقك، أجب أمير المؤمنين قَالَ: فرفع يديه، ووقع على رجلي يقبلهما، وقال:
حتى أدخل فأوصي، قلت:: أما الدخول فلا سبيل إليه، ولكن أوص بما شئت، فتقدم في وصيته بما أراد، وأعتق مماليكه، ثم أتتني رسل أمير المؤمنين تستحثني به، قَالَ: فمضيت به إليه فأعلمته، فقال لي وهو في فراشه:
ائتني برأسه، فأتيت جعفرا فأخبرته، فقال: يا أبا هاشم، الله الله! والله ما أمرك بما أمرك به إلا وهو سكران، فدافع بأمري حتى أصبح أؤامره في ثانيه، فعدت لأؤامره، فلما سمع حسي، قَالَ: يا ماص بظر أمه، ائتنى برأس جعفر! فعدت الى جعفر، فأخبرته، فقال: عاوده في ثالثة، فأتيته، فحذفني بعمود ثم قَالَ: نفيت من المهدي إن أنت جئتني ولم تأتني برأسه، لأرسلن إليك من يأتيني برأسك أولا، ثم برأسه آخرا قَالَ: فخرجت فأتيته برأسه