إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثالها إليها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك.
قَالَ: فلما قرأ الرشيد الكتاب، استفزه الغضب حتى لم يمكن أحدا أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، وتفرق جلساؤه خوفا من زيادة قول أو فعل يكون منهم، واستعجم الرأي على الوزير من أن يشير عليه أو يتركه يستبد برأيه دونه، فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرات كتابك يا بن الكافره، والجواب ما تراه دون أن تسمعه والسلام.
ثم شخص من يومه، وسار حتى أناخ بباب هرقلة، ففتح وغنم، واصطفى وأفاد، وخرب وحرق، واصطلم فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤديه في كل سنة، فأجابه إلى ذلك، فلما رجع من غزوته، وصار بالرقة نقض نقفور العهد، وخان الميثاق وكان البرد شديدا، فيئس نقفور من رجعته إليه، وجاء الخبر بارتداده عما أخذ عليه، فما تهيأ لأحد إخباره بذلك إشفاقا عليه وعلى أنفسهم من الكرة في مثل تلك الأيام، فاحتيل له بشاعر من اهل خره يكنى أبا محمد عبد الله بْن يوسف- ويقال: هو الحجاج بْن يوسف التيمي، فقال:
نقض الذي أعطيته نقفور ... وعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنه ... غنم أتاك به الإله كبير
فلقد تباشرت الرعية أن أتى ... بالنقض عنه وافد وبشير
ورجت يمينك أن تعجل غزوة ... تشفي النفوس مكانها مذكور