فأشار الفضل بْن الربيع إلى ابن السماك بالانصراف فانصرف.
قَالَ: ووعظ الرشيد عبد الله بْن عبد العزيز العمري، فتلقى قوله بنعم يا عم، فلما ولى لينصرف، بعث إليه بألفي دينار في كيس مع الأمين والمأمون فاعترضاه بها، وقالا: يا عم، يقول لك أمير المؤمنين: خذها وانتفع بها أو فرقها، فقال: هو أعلم بمن يفرقها عليه، ثم أخذ من الكيس دينارا، وقال: كرهت أن أجمع سوء القول وسوء الفعل وشخص إليه إلى بغداد بعد ذلك، فكره الرشيد مصيره إلى بغداد، وجمع العمريين، فقال: ما لي ولابن عمكم! احتملته بالحجاز، فشخص إلى دار مملكتي، يريد أن يفسد علي أوليائي! ردوه عني، فقالوا: لا يقبل منا، فكتب إلى موسى بْن عيسى أن يرفق به حتى يرده، فدعا له عيسى ببني عشر سنين، قد حفظ الخطب والمواعظ، فكلمه كلاما كثيرا، ووعظه بما لم يسمع العمري بمثله، ونهاه عن التعرض لأمير المؤمنين، فأخذ نعله، وقام وهو يقول:«فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ» .
وذكر بعضهم أنه كان مع الرشيد بالرقة بعد أن شخص من بغداد، فخرج يوما مع الرشيد إلى الصيد، فعرض له رجل من النساك، فقال: يا هارون، اتق الله، فقال لإبراهيم بْن عثمان بْن نهيك: خذ هذا الرجل إليك حتى أنصرف، فلما رجع دعا بغدائه، ثم أمر أن يطعم الرجل من خاص طعامه، فلما أكل وشرب دعا به، فقال: يا هذا، أنصفني في المخاطبة والمسألة، قَالَ: ذاك أقل ما يجب لك، قَالَ: فأخبرني: أنا شر وأخبث أم فرعون؟
قَالَ: بل فرعون، قال:«أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» وقال: «مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي» ، قَالَ: صدقت، فأخبرني فمن خير؟ أنت أم موسى ابن عمران؟ قَالَ: موسى كليم الله وصفيه، أصطنعه لنفسه، واتمنه على وحيه، وكلمه من بين خلقه، قَالَ: صدقت، أفما تعلم أنه لما بعثه وأخاه إلى فرعون