تشاور في مخطر، فاجعل لبديهتنا حظا من الروية، فقال المأمون: ذلك هو الحزم، وأجلهم ثلاثا، فلما اجتمعوا بعد ذلك، قَالَ أحدهم: أيها الأمير، قد حملت على كرهين، ولست أرى خطأ مدافعة بمكروه أولهما مخافة مكروه آخرهما وقال آخر: كان يقال أيها الأمير، أسعدك الله، إذا كان الأمر مخطرا، فإعطاؤك من نازعك طرفا من بغيته أمثل من أن تصير بالمنع إلى مكاشفته.
وقال آخر: إنه كان يقال: إذا كان علم الأمور مغيبا عنك، فخذ ما امكنك من هدنة يومك، فإنك لا تأمن أن يكون فساد يومك راجعا بفساد غدك وقال آخر: لئن خيفت للبذل عاقبة، إن أشد منها لما يبعث الآباء من الفرقة وقال آخر: لا أرى مفارقة منزلة سلامة، فلعلي أعطى معها العافية فقال الحسن: فقد وجب حقكم باجتهادكم، وإن كنت من الرأي على مخالفتكم، فقال له المأمون: فناظرهم، قَالَ: لذلك ما كان الاجتماع.
وأقبل الحسن عليهم، فقال: هل تعلمون أن محمدا تجاوز إلى طلب شيء ليس له بحق؟ قالوا: نعم، ويحتمل ذلك لما نخاف من ضرر منعه قال: فهل تثقون بكفه بعد إعطائه إياها، فلا يتجاوز بالطلب إلى غيرها؟ قالوا: لا، ولعل سلامة تقع من دون ما يخاف ويتوقع قَالَ: فإن تجاوز بعدها بالمسألة، أفما ترونه قد توهن بما بذل منها في نفسه! قالوا: ندفع ما يعرض له في عاقبة بمدافعه محذور في عاجله! قَالَ: فهذا خلاف ما سمعناه من قول الحكماء قبلنا، قالوا: استصلح عاقبة أمرك باحتمال ما عرض من كره يومك، ولا تلتمس هدنة يومك بإخطار أدخلته على نفسك في غدك قَالَ المأمون للفضل:
ما تقول فيما اختلفوا فيه؟ قَالَ: أيها الأمير، أسعدك الله، هل يؤمن محمد أن يكون طالبك بفضل قوتك ليستظهر بها عليك غدا على مخالفتك! وهل يصير الحازم إلى فضلة من عاجل الدعة بخطر يتعرض له في عاقبة، بل إنما أشار الحكماء بحمل ثقل فيما يرجون به صلاح عواقب أمورهم فقال المأمون:
بل بإيثار العاجلة صار من صار إلى فساد العاقبة في امر دنيا او امر آخره.
قَالَ القوم: قد قلنا بمبلغ الرأي، والله يؤيد الأمير بالتوفيق فقال: اكتب