بترك الحق الواجب إلى مخالفته فذهبوا يقولون، فقال: قفوا أنفسكم حيث وقفنا بالقول بكم، وأحسنوا تأدية ما سمعتم، فقد أبلغتمونا من كتابنا ما عسى ان تقولوه لنا فانصرف الرسل ولم يثبتوا لأنفسهم حجة، ولم يحملوا خبرا يؤدونه إلى صاحبهم، ورأوا جدا غير مشوب بهزل، في منع ما لهم من حقهم الواقع- بزعمهم.
فلما وصل كتاب المأمون إلى محمد وصل منه ما فظع به، وتخمط غيظا بما تردد منه في سمعه، وأمر عند ذلك بما ذكرناه من الإمساك عن الدعاء له على المنابر، وكتب إليه:
أما بعد، فقد بلغني كتابك غامطا لنعمة الله عليك فيما مكن لك من ظلها، متعرضا لحراق نار لا قبل لك بها، ولحظك عن الطاعة كان أودع لك، وإن كان قد تقدم مني متقدم، فليس بخارج من مواضع نفعك إذ كان راجعا على العامة من رعيتك، وأكثر من ذلك ما يمكن لك من منزله السلامة، ويثبت لك من حال الهدنة، فأعلمني رأيك أعمل عليه إن شاء الله.
وذكر سهل بْن هارون عن الحسن بْن سهل، أن المأمون قال لذى الرياستين:
إن ولدي وأهلي ومالي الذي أفرده الرشيد لي بحضرة محمد- وهو مائة ألف ألف- وأنا إليها محتاج، وهي قبله فما ترى في ذلك؟ وراجعه في ذلك مرارا فقال له ذو الرياستين: أيها الأمير، بك حاجة إلى فضلة مالك، وأن يكون أهلك في دارك وجنابك، وإن أنت كتبت فيه كتاب عزمة فمنعك صار إلى خلع عهده، فإن فعل حملك ولو بالكره على محاربته، وأنا أكره أن تكون المستفتح باب الفرقة ما أرتجه الله دونك، ولكن تكتب كتاب طالب لحقك، وتوجيه أهلك على ما لا يوجب عليه المنع نكثا لعهدك، فإن أطاع فنعمة وعافية، وإن ابى لم تكن بعثت على نفسك حربا او مشاقه فاكتب إليه، فكتب عنه:
أما بعد، فإن نظر أمير المؤمنين للعامة نظر من لا يقتصر عنه على إعطاء النصفة من نفسه حتى يتجاوزها إليهم ببره وصلته، وإذا كان ذلك رأيه في