يتولى الأمر دونه، وقالوا: إن مقامك بمدينة الري ارفق باصحابك، وأقدر لهم على الميرة، وأكن من البرد، وأحرى إن دهمك قتال أن يعتصموا بالبيوت، وتقوى على المماطلة والمطاولة، إلى أن يأتيك مدد، أو ترد عليك قوة من خلفك فقال طاهر: إن الرأي ليس ما رأيتم، إن أهل الري لعلي هائبون، ومن معرته وسطوته متقون، ومعه من قد بلغكم من أعراب البوادي وصعاليك الجبال ولفيف القرى، ولست آمن إن هجم علينا مدينة الري أن يدعو أهلها خوفهم إلى الوثوب بنا، ويعينوه على قتالنا، مع أنه لم يكن قوم قط روعبوا في ديارهم، وتورد عليهم عسكرهم إلا وهنوا وذلوا، وذهب عزهم، واجترأ عليهم عدوهم وما الرأي إلا أن نصير مدينة الري قفا ظهورنا، فإن أعطانا الله الظفر، وإلا عولنا عليها فقاتلنا في سككها، وتحصنا في منعتها إلى أن يأتينا مدد أو قوة من خراسان قالوا: الرأي ما رأيت فنادى طاهر في أصحابه فخرجوا فعسكروا على خمسة فراسخ من الري بقرية يقال لها كلواص، وأتاه محمد بْن العلاء فقال: أيها الأمير، إن جندك قد هابوا هذا الجيش، وامتلأت قلوبهم خوفا ورعبا منه، فلو أقمت بمكانك، ودافعت القتال إلى أن يشامهم أصحابك، ويأنسوا بهم، ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم! فقال: لا، إني لا أوتى من قلة تجربة وحزم، إن أصحابي قليل، والقوم عظيم سوادهم كثير عددهم، فإن دافعت القتال، وأخرت المناجزة لم آمن أن يطلعوا على قلتنا وعورتنا، وأن يستميلوا من معي برغبة أو رهبة، فينفر عني أكثر أصحابي، ويخذلني أهل الحفاظ والصبر، ولكن ألف الرجال بالرجال، وألحم الخيل بالخيل، واعتمد على الطاعة والوفاء، واصبر صبر محتسب للخير، حريص على الفوز بفضل الشهاده، فان يرزق الله الظفر والفلج فذلك الذي نريد ونرجو، وإن تكن الأخرى، فلست بأول من قاتل فقتل، وما عند الله أجزل وأفضل.
وقال علي لأصحابه: بادروا القوم، فان عددهم قليل، ولو زحفتم إليهم لم يكن لهم صبر على حرارة السيوف وطعن الرماح وعبا جنده ميمنة