وميسرة وقلبا، وصير عشر رايات، في كل راية ألف رجل، وقدم الرايات راية راية، فصير بين كل رايه ورايه غلوة، وأمر أمراءها: إذا قاتلت الأولى فصبرت وحمت وطال بها القتال أن تقدم التي تليها وتؤخر التي قاتلت حتى ترجع إليها أنفسها، وتستريح وتنشط للمحاربة والمعاودة وصير أصحاب الدروع والجواشن والخوذ أمام الرايات، ووقف في القلب في أصحابه من أهل البأس والحفاظ والنجدة منهم وكتب طاهر بْن الحسين كتائبه وكردس كراديسه، وسوى صفوفه، وجعل يمر بقائد قائد، وجماعة جماعة، فيقول: يا أولياء الله واهل الوفاء والشكر، انكم لستم كهؤلاء الذين ترون من أهل النكث والغدر، إن هؤلاء ضيعوا ما حفظتم وصغروا ما عظمتم، ونكثوا الإيمان التي رعيتم، وإنما يطلبون الباطل ويقاتلون على الغدر والجهل، أصحاب سلب ونهب، فلو قد غضضتم الأبصار، وأثبتم الأقدام! قد أنجز الله وعده، وفتح عليكم أبواب عزه ونصره، فجالدوا طواغيت الفتنة ويعاسيب النار عن دينكم، ودافعوا بحقكم باطلهم، فإنما هي ساعة واحدة حتى يحكم الله بينكم وهو خير الحاكمين.
وقلق قلقا شديدا، وأقبل يقول: يا أهل الوفاء والصدق، الصبر الصبر الحفاظ الحفاظ! وتزاحف الناس بعضهم الى بعض، ووثب أهل الري، فغلقوا أبواب المدينة، ونادى طاهر: يا أولياء الله، اشتغلوا بمن أمامكم عمن خلفكم، فإنه لا ينجيكم إلا الجد والصدق وتلاحموا واقتتلوا قتالا شديدا، وصبر الفريقان جميعا، وعلت ميمنة علي على ميسرة طاهر ففضتها فضا منكرا، وميسرته على ميمنته فأزالتها عن موضعها وقال طاهر: اجعلوا بأسكم وجدكم على كراديس القلب، فإنكم لو فضضتم منها راية واحدة رجعت أوائلها على أواخرها فصبر أصحابه صبرا صادقا، ثم حملوا على اوائل رايات القلب فهزموهم، وأكثروا فيهم القتل، ورجعت الرايات بعضها على بعض، وانتقضت ميمنة علي ورأى أصحاب ميمنة طاهر وميسرته ما عمل أصحابه، فرجعوا على من كان في وجوههم، فهزموهم، وانتهت الهزيمة إلى علي