بتخلية سبيله، وذلك في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين ومائة، فكان عبد الملك يشكر ذلك لمحمد، ويوجب به على نفسه طاعته ونصيحته- فقال: يا أمير المؤمنين، إني أرى الناس قد طمعوا فيك وأهل العسكرين قد اعتمدوا ذلك، وقد بذلت سماحتك، فإن أتممت على أمرك أفسدتهم وأبطرتهم، وإن كففت أمرك عن العطاء والبذل أسخطتهم وأغضبتهم، وليس تملك الجنود بالإمساك، ولا يبقى ثبوت الأموال على الإنفاق والسرف، ومع هذا فإن جندك قد رعبتهم الهزائم، ونهكتهم وأضعفتهم الحرب والوقائع، وامتلأت قلوبهم هيبة لعدوهم، ونكولا عن لقائهم ومناهضتهم، فإن سيرتهم إلى طاهر غلب بقليل من معه كثيرهم، وهزم بقوة نيته ضعف نصائحهم ونياتهم، وأهل الشام قوم قد ضرستهم الحروب، وأدبتهم الشدائد، وجلهم منقاد إلي، مسارع إلى طاعتي، فإن وجهني أمير المؤمنين اتخذت له منهم جندا تعظم نكايتهم في عدوه، ويؤيد الله بهم أولياءه وأهل طاعته فقال محمد: فإني موليك أمرهم، ومقويك بما سألت من مال وعدة، فعجل الشخوص إلى ما هنالك، فاعمل عملا يظهر أثره، ويحمد بركته برأيك ونظرك فيه إن شاء الله فولاه الشام والجزيرة، واستحثه بالخروج استحثاثا شديدا، ووجه معه كنفا من الجند والأبناء وفي هذه السنة سار عبد الملك بْن صالح إلى الشام، فلما بلغ الرقة اقام بها.
وانفذ رسله وكتبه الى رؤساء اجناد اهل الشام بجمع الرجال بها، وامداد محمد بهم لحرب طاهر.
ذكر الخبر عن ذلك:
قد تقدم ذكري سبب توجيه محمد إياه لذلك، فذكر داود بْن سليمان أنه لما قدم عبد الملك الرقة، أنفذ رسله، وكتب إلى رؤساء أجناد الشام ووجوه الجزيرة، فلم يبق أحد ممن يرجى ويذكر بأسه وغناؤه إلا وعده وبسط له في أمله وأمنيته، فقدموا عليه رئيسا بعد رئيس، وجماعة بعد جماعة، فكان لا يدخل عليه أحد إلا أجازه وخلع عليه وحمله، فأتاه أهل الشام:
الزواقيل والأعراب من كل فج، واجتمعوا عنده حتى كثروا ثم ان