للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأورد الله لظى لظاها ... إن غمرت كلب بها لحاها

ثم قَالَ: يا معشر كلب، إنها الراية السوداء، والله ما ولت ولا عدلت ولا ذل ناصرها، ولا ضعف وليها، وإنكم لتعرفون مواقع سيوف أهل خراسان في رقابكم، وآثار أسنتهم في صدوركم اعتزلوا الشر قبل أن يعظم، وتخطوه قبل أن يضطرم شامكم شأمكم، داركم داركم! الموت الفلسطيني خير من العيش الجزري ألا وإني راجع، فمن أراد الانصراف فلينصرف معي.

ثم سار وسار معه عامة أهل الشام، وأقبلت الزواقيل حتى أضرموا ما كان التجار جمعوا من الأعلاف بالنار، وأقام الحسين بْن علي بْن عيسى بْن ماهان مع جماعة أهل خراسان والأبناء على باب الرافقة تخوفا لطوق بْن مالك.

فأتى طوقا رجل من بني تغلب، فقال: ألا ترى ما لقيت العرب من هؤلاء! انهض فإن مثلك لا يقعد عن هذا الأمر، قد مد أهل الجزيرة أعينهم إليك، وأملوا عونك ونصرك فقال: والله ما أنا من قيسها ولا يمنها، ولا كنت في أول هذا الأمر لأشهد آخره، وإني لأشد إبقاء على قومي، وأنظر لعشيرتي من أن أعرضهم للهلاك بسبب هؤلاء السفهاء من الجند وجهال قيس، وما أرى السلامة إلا في الاعتزال وأقبل نصر بْن شبث في الزواقيل على فرس كميت أغر، عليه دراعة سوداء قد ربطها خلف ظهره، وفي يده رمح وترس، وهو يقول:

فرسان قيس اصمدن للموت ... لا ترهبنى عن لقاء الفوت

دعى التمنى بعسى وليت.

ثم حمل هو وأصحابه، فقاتل قتالا شديدا، فصبر لهم الجند، وكثر القتل في الزواقيل، وحملت الأبناء حملات، في كلها يقتلون ويجرحون، وكان أكثر القتل والبلاء في تلك الدفعة لكثير بْن قادرة وأبي الفيل وداود بن موسى ابن عيسى الخراساني، وانهزمت الزواقيل، وكان على حاميتهم يومئذ نصر ابن شبث وعمرو السلمي والعباس بْن زفر

<<  <  ج: ص:  >  >>