وما كان فعل طاهر بقواد محمد، وقد كان محمد كتب إلى داود بْن عيسى يأمره بخلع عبد الله المأمون والبيعة لابنه موسى، وبعث محمد إلى الكتابين اللذين كان الرشيد كتبهما وعلقهما في الكعبة فأخذهما، فلما فعل ذلك جمع داود حجبة الكعبة والقرشيين والفقهاء ومن كان شهد على ما في الكتابين من الشهود- وكان داود أحدهم- فقال داود: قد علمتم ما أخذ علينا وعليكم الرشيد من العهد والميثاق عند بيت الله الحرام حين بايعنا لابنيه، لنكونن مع المظلوم منهما على الظالم، ومع المبغي عليه على الباغي، ومع المغدور به على الغادر، فقد رأينا ورأيتم أن محمدا قد بدأ بالظلم والبغي والغدر على أخويه عبد الله المأمون والقاسم المؤتمن، وخلعهما وبايع لابنه الطفل، رضيع صغير لم يفطم، واستخرج الشرطين من الكعبة عاصيا ظالما، فحرقهما بالنار وقد رأيت خلعه، وإن أبايع لعبد الله المأمون بالخلافة، إذ كان مظلوما مبغيا عليه.
فقال له أهل مكة: رأينا تبع لرأيك، ونحن خالعوه معك، فوعدهم صلاة الظهيرة، وأرسل في فجاج مكة صائحا يصيح: الصلاة جامعة! فلما جاء وقت صلاة الظهر- وذلك يوم الخميس لسبع وعشرين ليلة خلت من رجب سنة ست وتسعين ومائة- خرج داود بْن عيسى، فصلى بالناس صلاة الظهر، وقد وضع له المنبر بين الركن والمقام، فصعد فجلس عليه، وأمر بوجوه الناس وأشرافهم فقربوا من المنبر، وكان داود خطيبا فصيحا جهير الصوت، فلما اجتمع الناس قام خطيبا، فقال:
الحمد لله مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالدين، وختم به النبيين، وجعله رحمة للعالمين، صلى الله عليه في الأولين والآخرين أما بعد يا أهل مكة، فأنتم الأصل والفرع، والعشيرة والأسرة، والشركاء في النعمة، إلى بلدكم نفذ وفد الله، وإلى قبلتكم يأتم المسلمون، وقد علمتم ما أخذ عليكم الرشيد هارون رحمه الله عليه وصلاته حين بايع لا بينه محمد وعبد الله بين أظهركم من العهد والميثاق