بعسكر المهدي، ومكث محمد محصورا في المدينة يوم الخميس ويوم الجمعة والسبت وناظر محمد أصحابه ومن بقي معه في طلب الأمان، وسألهم عن الجهة في النجاة من طاهر، فقال له السندي: والله يا سيدي، لئن ظفر بنا المأمون لعلى رغم منا وتعس جدودنا، وما أرى فرجا إلا هرثمة قَالَ له:
وكيف بهرثمة وقد أحاط الموت بي من كل جانب! وأشار عليه آخرون بالخروج إلى طاهر وقالوا: لو حلفت له بما يتوثق به منك أنك مفوض إليه ملكك، فلعله كان سيركن إليك فقال لهم: أخطأتم وجه الرأي، وأخطأت في مشاورتكم، هل كان عبد الله أخي لو جهد نفسه وولى الأمور برأيه بالغا عشر ما بلغه له طاهر! وقد محصته وبحثت عن رأيه، فما رأيته يميل إلى غدر به، ولا طمع فيما سواه، ولو أجاب إلى طاعتي، وانصرف إلي ثم ناصبني أهل الأرض ما اهتممت بأمر، ولوددت أنه أجاب إلى ذلك، فمنحته خزائني وفوضت إليه أمري، ورضيت أن أعيش في كنفه، ولكني لا أطمع في ذلك منه فقال له السندي: صدقت يا أمير المؤمنين، فبادر بنا إلى هرثمة، فإنه يرى ألا سبيل عليك إذا خرجت إليه من الملك، وقد ضمن إلي أنه مقاتل دونك إن هم عبد الله بقتلك، فاخرج ليلا في ساعة قد نوم الناس فيها، فإني أرجو أن يغبى على الناس أمرنا.
وقال أبو الحسن المدائني: لما هم محمد بالخروج إلى هرثمة، وأجابه إلى ما أراد، اشتد ذلك على طاهر، وأبى أن يرفه عنه ويدعه يخرج، وقال: هو في حيزي والجانب الذي أنا فيه، وأنا أخرجته بالحصار والحرب، حتى صار إلى طلب الأمان، ولا أرضى أن يخرج إلى هرثمة دوني، فيكون الفتح له.
ولما رأى هرثمة والقواد ذلك، اجتمعوا في منزل خزيمة بْن خازم، فصار إليهم طاهر وخاصة قواده، وحضرهم سليمان بْن المنصور ومحمد بْن عيسى بْن نهيك والسندي بْن شاهك، وأداروا الرأي بينهم، ودبروا الأمر، وأخبروا طاهرا أنه لا يخرج إليه أبدا، وأنه إن لم يجب إلى ما سأل لم يؤمن أن يكون الأمر في أمره مثله في أيام الحسين بْن علي بْن عيسى بْن ماهان، فقالوا له: