وقال: أستودعكما الله، ودمعت عيناه، وجعل يمسح دموعه بكمه، ثم قام فوثب على الفرس، وخرجنا بين يديه إلى باب القصر، حتى ركبنا دوابنا، وبين يديه شمعة واحدة فلما صرنا الى الطاقات مما يلى باب خراسان، قَالَ لي أبي: يا محمد، ابسط يدك عليه، فإني أخاف أن يضربه إنسان بالسيف، فإن ضرب كان الضرب بك دونه قَالَ: فألقيت عنان فرسي بين معرفته، وبسطت يدي عليه حتى انتهينا إلى باب خراسان، فأمرنا به ففتح، ثم خرجنا إلى المشرعة، فإذا حراقة هرثمة، فرقي إليها، فجعل الفرس يتلكأ وينفر، وضربه بالسوط وحمله عليها، حتى ركبها في دجلة، فنزل في الحراقة، وأخذنا الفرس، ورجعنا إلى المدينة، فدخلناها وأمرنا بالباب فأغلق، وسمعنا الواعية، فصعدنا على القبة التي على الباب، فوقفنا فيها نسمع الصوت.
فذكر عن أحمد بْن سلام صاحب المظالم أنه قَالَ: كنت فيمن ركب مع هرثمة من القواد في الحراقة، فلما نزلها محمد قمنا على أرجلنا إعظاما، وجثى هرثمة على ركبتيه، وقال له: يا سيدي، ما أقدر على القيام لمكان النقرس الذي بي، ثم احتضنه وصيره في حجره، ثم جعل يقبل يديه ورجليه وعينيه، ويقول: يا سيدي ومولاي وابن سيدي ومولاي قَالَ: وجعل يتصفح وجوهنا، قَالَ: ونظر إلى عبيد الله بْن الوضاح، فقال له: أيهم أنت؟ قَالَ:
أنا عبيد الله بْن الوضاح، قَالَ: نعم، فجزاك الله خيرا، فما أشكرني لما كان منك من أمر الثلج! ولو قد لقيت أخي أبقاه الله لم أدع أن أشكرك عنده، وسألته مكافأتك عني قَالَ: فبينا نحن كذلك- وقد أمر هرثمة بالحراقة أن تدفع- إذ شد علينا أصحاب طاهر في الزواريق والشذوات وعطعطوا وتعلقوا بالسكان، فبعض يقطع السكان، وبعض ينقب الحراقة، وبعض يرمي بالآجر والنشاب قَالَ: فنقبت الحراقة، فدخلها الماء فغرقت، وسقط هرثمة إلى الماء، فأخرجه ملاح، وخرج كل واحد منا على حيله، ورايت