إذا وهب شيئا استحيا أن يرجع فيه لكان أقرب شيء بيني وبينك إلى الأرض رأسك، قم وإياك ما عدت.
قَالَ: فخرج محمد بْن أبي العباس، ومضى إلى طاهر بْن الحسين- وهو زوج أخته- فقال له: كان من قصتي كيت وكيت، وكان يحجب المأمون على النبيذ فتح الخادم، وياسر يتولى الخلع، وحسين يسقي، وأبو مريم غلام سعيد الجوهري يختلف في الحوائج فركب طاهر إلى الدار، فدخل فتح، فقال: طاهر بالباب، فقال: إنه ليس من أوقاته، ائذن له: فدخل طاهر فسلم عليه، فرد ع، وقال: اسقوه رطلا، فأخذه في يده اليمنى، وقال له: اجلس، فخرج فشربه ثم عاد، وقد شرب المأمون رطلا آخر، فقال: اسقوه ثانيا، ففعل كفعله الأول، ثم دخل، فقال له المأمون:
اجلس، فقال يا أمير المؤمنين، ليس لصاحب الشرطة أن يجلس بين يدي سيده، فقال له المأمون: ذلك في مجلس العامة، فأما مجلس الخاصة فطلق، قَالَ: وبكى المأمون، وتغرغرت عيناه، فقال له طاهر: يا أمير المؤمنين، لم تبكي لا أبكى الله عينيك! فو الله لقد دانت لك البلاد، وأذعن لك العباد، وصرت إلى المحبة في كل أمرك فقال: أبكي لأمر ذكره ذل، وستره حزن، ولن يخلو أحد من شجن، فتكلم بحاجة إن كانت لك، قَالَ: يا أمير المؤمنين، محمد بْن أبي العباس أخطأ فأقله عثرته، وارض عنه قَالَ: قد رضيت عنه، وأمرت بصلته، ورددت عليه مرتبته، ولولا أنه ليس من أهل الإنس لأحضرته.
قَالَ: وانصرف طاهر، فأعلم ابن ابى العباس ذلك، ودعا بهارون بن جبغويه، فقال له: إن للكتاب عشيرة، وإن أهل خراسان يتعصب بعضهم لبعض، فخذ معك ثلاثمائة ألف درهم، فأعط الحسين الخادم مائتي ألف، وأعط كاتبه محمد بْن هارون مائة ألف، وسله ان يسال المأمون: لم بكى؟
قَالَ: ففعل ذلك، قَالَ: فلما تغدى قَالَ: يا حسين اسقني، قَالَ: لا والله