وذكر عن محمد بْن علي بْن صالح السرخسي، قَالَ: تعرض رجل للمأمون بالشام مرارا، فقال له: يا أمير المؤمنين، انظر لعرب الشام كما نظرت لعجم أهل خراسان! فقال: أكثرت علي يا أخا أهل الشام، والله ما انزلت قيسا عن ظهور الخيل إلا وأنا أرى إنه لم يبق في بيت مالي درهم واحد، واما اليمن فو الله ما أحببتها ولا أحبتني قط، وأما قضاعة فسادتها تنتظر السفياني وخروجه فتكون من أشياعه، وأما ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبيه من مضر، ولم يخرج اثنان إلا خرج أحدهما شاريا، اعزب فعل الله بك! وذكر عن سعيد بْن زياد أنه لما دخل على المأمون بدمشق قَالَ له: أرني الكتاب الذى كتبه رسول الله ص لكم، قَالَ: فأريته، قَالَ:
فقال: إني لأشتهي أن أدري أي شيء هذا الغشاء على هذا الخاتم؟ قَالَ:
فقال له أبو إسحاق: حل العقد حتى تدري ما هو، قَالَ: فقال: ما اشك ان النبي ص عقد هذا العقد، وما كنت لأحل عقدا عقده رسول الله ص ثم قَالَ للواثق: خذه فضعه على عينك، لعل الله أن يشفيك قَالَ: وجعل المأمون يضعه على عينه ويبكي وذكر عن العيشي صاحب إسحاق بْن إبراهيم، أنه قَالَ: كنت مع المأمون بدمشق، وكان قد قل المال عنده حتى ضاق، وشكا ذلك إلى أبي إسحاق المعتصم، فقال له: يا أمير المؤمنين، كأنك بالمال وقد وافاك بعد جمعه قَالَ: وكان حمل إليه ثلاثون ألف ألف من خراج ما يتولاه له، قَالَ: فلما ورد عليه ذلك المال، قَالَ المأمون ليحيى بْن أكثم: اخرج بنا ننظر إلى هذا المال، قَالَ: فخرجا حتى أصحرا، ووقفا ينظرانه، وكان قد هيئ بأحسن هيئة، وحليت أباعره، وألبست الأحلاس الموشاة والجلال المصبغة وقلدت العهن، وجعلت البدر بالحرير الصيني الأحمر والأخضر والأصفر، وأبديت رءوسها قَالَ: فنظر المأمون إلى شيء حسن، واستكثر ذلك، فعظم في عينه، واستشرفه الناس ينظرون إليه، ويعجبون منه، فقال المأمون ليحيى:
يا أبا محمد، ينصرف أصحابنا هؤلاء الذين تراهم الساعة خائبين الى منازلهم،